للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إنَّ غيبَ السموات والأرض نزول العذاب من السماء، وطلوعه من الأرض، والأول أولى، وبه قال أبو علي الفارسي وغيره.

{وَإِلَيْهِ} سبحانه وتعالى وحده لا إلى غيره {يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} بضم الياء، وفتح الجيم، أي يرد، وبفتح الياء، وكسر الجيم بمعنى يَعُود، ويصير أمور الخلائق كلها يوم القيامة، فيجازى كُلًّا بعمله خيرًا، أو شرًّا، فيرجع أمرك يا محمَّد، وأمُر الكفار إليه، فينتَقِم لَكَ منهم؛ أي: فأمركَ وأمرهم لا مَحَالةَ راجع إليه تعالى، ومَا شَاء كان، وما لم يَشَأْ لم يكن. وقرأ (١) نافع وحفص: {يُرْجَعُ} على البناء للمفعول. وقرأ الباقون على البناء للفاعل. {فَاعْبُدْهُ}؛ أي: وإذا (٢) كان أمر كل شيء يرجع إليه، فاعبده سبحانه وتعالى بإخلاص الدين له وحدَه، وادعُ إلى طاعته، واتباع أمره بالحكمة، والموعظة الحسنة {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} تعالى فيما لا يدخلُ في مكنتك، واستطاعتك مما ليس لك سبيل إلى الحصول عليه، لكونه لا يدخلُ تحتَ كسبك، ولا تنالُه يدك، والتوكل لا يجدي نفعًا بغير العبادة، والأخذ بالأسباب المستطاعة، وبدون ذلك يكون من التمني الكاذب، والعبادة لا تكمل إلّا بالتوكل، إذ به يكمل التوحيد والإخلاص له تعالى.

روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكيس مَنْ دان نفسه، وعمل لما بعدَ الموت، والعاجز من أتبع نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني".

وخلاصة ذلك: امتَثِلْ ما أمرت به، وداوم على التبليغ والدعوة، وتوكل عليه في سائر أمورك، ولا تبال بالذين لا يؤمنون، ولا يضيق صدرك بهم.

وقيل: معنى قوله: {فَاعْبُدْهُ}؛ أي (٣): أطعه، واستقم على التوحيد أنت وأمتك {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}؛ أي: فوض إليه جميعَ أمورك، فإنه كافيك وعاصمك من


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.