للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شرهم، فعليك تبليغ ما أوحينا إليك، بقلب فسيح غير مبال بعداوتهم، وعتوهم وسفههم، وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة إشعارٌ بأنه لا ينفَعُ بدونها.

{وَمَا رَبُّكَ} يا محمَّد {بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}؛ أي: بساه (١) عما تعمل أنت أيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعك من المؤمنين من عبادته، والتوكل عليه، والصبر على أذى المشركين، فيوفيكم جزاءكم في الدنيا والآخرة، ولا بغافل عما يعمل المشركون من الكيد لَكُمْ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وسيجزيهم على أعمالِهم يوم تجْزَى كل نفس بما كسبَتْ، وقد صدق وعدَه، ونَصَرَ عبده، وأظهر دِينَه على الدين كلِّه، أي: فالله تعالى عالم به غير غافل عنه؛ لأنَّ الغفلةَ والسهوَ لا يجوزان على مَنْ لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض، فيجازي كلًّا منك ومنهم بِمُوجَب الاستحقاق.

والجملة الأولى من هذه الآية (٢): دلت على أن عِلْمَه تعالى محيط بجميع الكائنات، كلِّيّها وجُزّئِيِّها حاضرها وغائبها؛ لأنه إذا أحاط علمه بما غاب، فهو بما حضر محيط؛ إذ علمه تعالى لا يتفاوت.

والجملة الثانية: دلَّت على القدرة النافذة، والمشيئة.

والجملة الثالثة: دلَّت على الأمر بإفراد مَنْ هذه صفاته بالعبادة الجسدية والقلبية، والعبادة أولى الرتب التي يتحلَّى بها العبدُ.

والجملة الرابعة: دلَّتْ على أنَّ الأمر بالتوكل، وهِيَ آخرة الرُّتَبِ؛ لأنه بنور العبادة أبصرَ أنَّ جميعَ الكائنات معذوقة بالله تعالى، وأنه هو المتصرف وحده في جَمِيعِها, لا يشركه في شيء منها.

والجملة الخامسة: تضمنت التنبيه على المُجَازَاةِ، فلا يضيع طاعةَ مطيع، ولا يهمل حالَ متمرد؛ أي: فإنه تعالى (٣) لا يُضَيِّعُ طاعات المطيعينَ، ولا يهمل


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.