أحدهما: أنها صفة على فعيلة للمبالغة بمعنى فاعلة، ولذلك دخلت التاء فيها، والمراد بها حينئذ: جيد الشيء وخياره، وإنما قيل لجيده وخياره بَقِيةٌ من قولهم: فلان بقيةُ الناس، وبقية الكرام, لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجودَه وأفضله.
والثاني: أنها مصدر بمعنى القويّ. قال الزمخشري: ويجوز أن تكون البَقِيَّة بمعنى البَقْوَى كالتقية بمعنى التقوى؛ أي: فَهَلَّا كَانَ منهم ذوو بقاء على أنفسهم، وصيانة لها من سَخَطِ الله وعقابه. وقرأت فرقة (بقية) بتخفيف الياء، وهي اسم فاعل من بَقِيَ كشجية من شجِيَ، والتقدير: أولو طائفة بقية، أي باقية. وقيل: البقية ما يبقَى من الشيء بعد ذهاب أكثره، واستعمل كثيرًا في الأنفع والأصلح؛ لأنَّ العادَةَ قد جَرَتْ بأنَّ الناسَ ينفقون أرْدَأ ما عندهم، ويستبقون الأجودَ.
{مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} يقال: أترفَتْهُ النَّعْمَة؛ أي: أبْطَرْتُهُ وأفسدَتُه. وفي "القاموس": الترفة بالضم: النعمة، والطعامُ الطَّيِّب، والشيء الظريفُ تَخُصُّ به صاحبَكَ، وَتَرِفَ كَفَرِحَ تنعَّم وأترفته النعمة أطغَتْه، أو نعمته كترفته تَتْرِيفًا وأترف فلانٌ أصَرَّ على المكر، والمُتْرَفُ كمُكْرَمِ المتروك يَصْنَعُ ما يشاء، ولا يمنَع، والمتنعمُ لا يَمْنَعُ من تنعمه، اهـ.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} والجنة والجن بمعنى واحد. وقال ابن عطية: والهاء فيه للمبالغة؛ وإن كَانَ الجِنُّ يقع على الواحد، فالجِنَّة جَمْعُه، انتهى. فيكون مما يكونُ فيه الواحد بغير هاءٍ، وجَمْعُهُ بالهاء لقول بعض العرب كمء للواحد وكمأة للجمع. {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ} القص تتبع أثر الشيء للإحاطة به كما قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١)}. والأنباء جمع نبأ كأسباب جمع سبب. والنَّبَأُ: الخَبَرُ الهَامُّ. {مَا نُثَبِّتُ بِهِ}؛ أي: نُقَوّي به، ونجعل. {فُؤَادَكَ} رَاسِخًا كالجبل. {عَلَى مَكَانَتِكُمْ}؛ أي: على تَمكنِكم، واستطاعتكم.