لوقوعها منها، وهيَ السَّيّدة، وهو المملوك، وهو التابع، وهي المَتْبُوعَةُ، وقد جَرَتِ العادة بأنَّ نفوس النِّسْوَةِ تعزف عن مثل هذه الدناءة ولا ترضى لنفسها هذه الذلة التي تشعر بالمُساواة لا بالسيادة، وبالضَّعةِ لا بالعظمة، ولله في خلقه شؤُونٌ.
أما الأول: فقولهنَّ فيها: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}؛ أي: قد وَصَلَ حبه إلى شِغَافِ قلبها "الغشاء المحيط به" وغَاضَ في سويدائه كما قال شاعرهم:
وأما الثاني: فقولهن: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} فلمَّا سمعت بهذا المكر القوليّ قابلَتْهُنَّ عليه بمكر فعلي، فقد جمعتهن، وأخرجته عليهن فلم يشعرن إلا وأحسن خلق الله قد طلع عليهن بغتة، فَراعَهن ذلك الحسن الفتان، وفي أيديهن مدى يقطعنَ بها مما يأكلنَه، فقطعن أَيْدِيَهُن، وهُنَّ لا يشعرن بما فعلن مأخوذات بذلك الحسن كما جاء في قوله سبحانه: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)}.
فلما هددته بالسجن والإذلال بعد أن هُتِكَ سِتْرُهَا، وكاشفت النسوة في أمرها، وتواطأن معها على كيدها، آثر عليه السلام الاعتقالَ في السجن على ما يدعونه إليه من الفحش والخَنَا {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)}.
وإنه ليستبين من هذا القَصص أنَّ امرأةَ العزيز كَانَتْ مالكة لقيادة زوجها الوزير الكبير، تصرفه كيفَ شَاءَت وشاء لها الهوى، إذ كان فاقدًا للغَيْرة كأمثاله من كبراء الدنيا، صغار الأنفُس عبيد الشهوات. قال في "الكشاف" عند ذكر ما رأوا من الشواهد الدالة على براءته، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفَتْلها منه في الذروة والغارب وكان مِطْواعةً لها، وَجَملًا ذَلُولًا زمامه في يدها،