والمراد بالسجود هنا: سَجْدَة تحية، لا سجدة عبادة. وقال بعضهم: لفظ السجود: يُطْلَقُ على وضع الجبهة على الأرض، سواء كان على وجه التعظيم، والإكرام، أو على وَجْهِ العبادة، ويُطلق أيضًا على التواضع، والخضوع، وإنما أُجرِيَتْ مُجْرَى العقلاء في الضمير لوصفها بوصف العقلاء، وهو السجود، كما مرَّ.
وأبو يوسف هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال بَعْضُ مَنْ مال إلى الاشتقاق في هذه الأسماء: إنما سمِّيَ يعقوبُ لأنَّ يعقوبَ وعيصًا كانا تَوْأمَيْنِ فاقتتلا في بطن أمهما حيث أراد يعقوب أن يَخْرُجَ فَمَنَعَه عَيْصٌ وقال: لئن خَرجت قبلي لأعترض في بطن أمي، فلأقتلنَّها فتأخَّر يعقوب، فخرج عيص فأَخَذَ يعقوب بعقب عيص، فخَرَجَ بَعْدَهُ فلهذا سمي به، وسمي الآخر عَيْصًا لمَّا عَصَى وخَرَجَ قبل يعقوب، وكان عيص رجلًا أشعر، وكان يعقوبُ أجْرَد، وكان عيص أحبَّهما إلى أبيه، وكان يعقوبُ أحبَّهما إلى أمه، وكان عَيْصٌ صاحبَ صيد، وكان يعقوبُ صَاحِبَ غنم، فلما كَبرَ إسحاق، وعَمِي قال لعيص يومًا: يا بنيَّ أطْعِمْني لَحْمَ صيد، واقْتَرِبْ مني أدع لك بدعاءٍ دعا لي به أبي هو دعاء النبوة، وكان لكل نبي دعوة مستجابة، وأخَّر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - دُعاءَه للشفاعة العظمى يوم القيامة، فخرج عَيْصٌ لطلب صيد، فقَالَتْ أمُّهُ ليعقوب: يا بنيَّ اذهب إلى الغنم فاذبح منها شَاةً ثم اشوها، والْبِسْ جِلْدَهَا، وقدِّمها إلى أبيك، قبل أخيك، وقُلْ له: أنا ابنك عيص لعله يدعو لك ما وَعَدَه لأخيك، فلما جَاءَ يعقوب بالشواء قال: يا أبت كُلْ، قال: مَنْ أنت؟ قال: أنا ابنك عيص؛ فمسَّه فقال: المس مَسُّ عَيْص والريحُ ريح يعقوب. قال بعضهم: والأسلم أن يقال: إنَّ أمه أحْضَرَتْ الشواء بين يدي إسحاق، وقالت: إنَّ ابْنَكَ جاءك بشواء، فادع له، فظَنَّ إسحاق أنه عيص، فأكل منه، ثم دَعَا لِمَنْ جاء به، أن يجعل الله في ذريته الأنبياءَ، والملوكَ فذهب يعقوب، وَلَمّا جاء عيصٌ قال: يا أبت قد جئتك بالصيد الذي أردتَ، فعلم إسحاق الحالَ، وقال: يا بنيَّ قد سبقك أخوك، ولكن بَقِيَتْ لك دعوة فهلم أدعو لك بها، فدعا أن يكون ذرِّيتُه عَدَدَ التراب، فأعطى الله تعالى له نَسْلًا كثيرًا،