وجملة الروم منْ ولده، رُوم، وكان إسحاق متوطِّنًا في كَنْعَان، وإسماعيل مقيمًا في مكة، فلما بَلَغَ إسحاق إلى مئة وثمانين من العمر، وحضرته الوفاة وصَّى سِرًّا بأن يخرج يعقوب إلى خاله في جانب الشام حذرًا من أن يقتله أخوه عَيْصٌ حسدًا, لأنه أقْسَمَ بالله في قصة الشواء أن يقتل يَعْقُوب فانطلق إلى خاله ليا بن ناهزَ، وأقام عنده وكان لخاله بنتان إحداهما لَيَّا، وهي كبراهما، والأُخرى راحيل، وهي صغراهما فخَطَبَ يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما فقال له: هل لك مالُ؟ قال: لا, ولكن أَعْمَلُ لك، فقال: نعم، صداقها أن تخدمني سبع سنين، فقال يعقوب: أَخْدُمُكَ سبع سنين على أن تزوجني راحيل، قال: ذلك بيني وبينك، فرعَى له يعقوب سبع سنين، فزوجه الكبرى, وهي لَيَّا، قال له يعقوب: إنك خَدَعْتَني، إنما أردتُ راحيل، فقال له خاله: إنَّا لا ننكح الصغيرةَ قبل الكبيرة، فهلم فاعمل سبع سنين، فأزوجك أختها - وكان الناس يجمعون بين الأختَين إلى أنْ بعَثَ الله موسى عليه السلام - فرَعَى له سبع سنين، أُخْرى فزوجه راحيل، فجمَعَ بينهما، وكان حاله حين جهَّزَهما دفع إلى كل واحدة منهما أَمَةً تخدمُها، اسمُ إحداهما، زلفة، والأخرى بَلْهَة، فوهبتا الأمتَين ليعقوب، فولدت ليا ستة بنين وبنتًا واحدة، رُوبِيلَ، شمعون، يهوذا، لاوي، يَسْجُر، زيالون، دنية. وولدت زلفة ابنَينِ دان، يغثالى، وولدت بُلْهَةُ أيضًا ابنين جاد، آشر. وبقيت راحيل عاقرًا سنينَ ثمَّ حملَتْ، وولدت يوسف. وليعقوب من العمر إحدى وتسعون سنةً، وأراد يعقوب أن يُهاجِر إلى موطن أبيه إسحاق بكل الحواشي. وفي سنة الهجرة حَمَلَتْ راحيل ببنيامين، وماتت في نفاسها، ويوسف ابن سنتين، وكان أحبَّ الأولاد إلى يعقوب، وحين صار ابنَ سبع سنين، رَأَى المنام المذكور سابقًا فيما حكى الله تعالى بقوله:{يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}.
واعلم: أنَّ يوسف رأى إخْوَته في صورة الكواكب, لأنه يُسْتَضاءُ بالأخوة، ويهدى بهم كما يهتدى بالكواكب، ورأى أباه وخَالَتَه ليا في صورة الشمس والقمر، وإنما قُلْنا خالته لأنه ماتت أمه في نفاس بنيامين كما مَرَّ. وسجودُهم له دخولهم تحت سلطنته، وانقيادهم له كما سيأتي في آخر القصة.