للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه بعد (١) انتهاء التحقيق في أمر النسوة، وظهور براءة يوسف عليه السلام من كل سوء .. طلب الملك إحضاره إليه من السجن بعد أن وفي له بما اشترط لمجيئه، فلما جاءه وسمع كلامه .. فهم من فحوى حديثه، ومن أمانته على مال العزيز وعرضه وحسن تصرفه، ومن سيرته الحسنة في السجن، ومن علمه وفهمه في تأويله للرؤيا، ومن حرصه على إظهار شرفه وكرامته في مسألة النسوة ما دل على أنه أهل لأن يرفع إلى أعلى المراتب، ويولى أسمى المناصب، وذلك هو ما فعله الملك لحصافة رأيه وبصره بأقدار الرجال، ولم يصرفه عن ذلك كونه غريبًا أو فقيرًا أو مملوكًا كما تشير إلى ذلك الآيتان.

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ...} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أنه سبحانه وتعالى لما (٢) ذكر إجابة الملك له بأنه أصبح لديه مكينًا أمينًا، وطلب يوسف منه أن يجعله على خزائن الأرض يصرفها بحسب ما يرى من التدبير والنظام والدراية والإحكام .. ذكر هنا أنه أجابه إلى مطلبه، وجعله وزيرًا في دولته يتصرف في شؤونها لحسن تدبيره وثاقب رأيه، وذلك جارٍ على سنن الله في خلقه، فلن ينال الرياسات العليا والمناصب الرفيعة إلا من يؤتيه الله من المواهب ما يجعله قادرًا على ضبط الأعمال، وإقامة النظام، وحسن السياسة والكياسة في تصريف الأمور.

قوله تعالى {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ...} الآيات، جاء (٣) في سفر التكوين من التوراة أن يوسف عليه السلام حين وَلِي الوزارة .. طفق يعد العدة، ويأخذ الأهبة لتنفيذ التدابير التي يقي بها البلاد من خطر المجاعة التي جاءت في تأويل رؤياه للملك، وكان من ذلك أن بنى الأهراء العظيمة، وخزن فيها الحبوب التي استكثر منها مدة سنين الخصب السبع الأولى، فلما جاءت السبع الشداد، وعم القحط مصر وغيرها من الأقطار القريبة منها، ولا سيما


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.