المعين، كخاصية جذب الحديد في حجر المغناطيس {فَانْفَجَرَتْ} الفاء عاطفة على محذوف، والانفجار (١): الانكباب. والانبجاس: الترشّح والرشّ، فالرشّ أوّل، ثم الانكباب. عبّر بدل ما هنا في الأعراف بقوله:{فَانْبَجَسَتْ} والأول أبلغ؛ لأنه انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهور الماء، فناسب ذكر الانفجار هنا، الجمع قبله بين الأكل، والشرب الذي هو أبلغ من الاقتصار على أحدهما؛ أي: فضربه فانفجرت؛ أي: جرت وسالت {مِنْهُ}؛ أي: من ذلك الحجر {اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا} ماء عذبا؛ أي اثنا عشر نهرا بعدد قبائل بني إسرائيل، لكلّ سبط عين، وكان يضربه بعصاه إذا نزل، فيتفجّر، ويضربه إذا ارتحل، فييبس. وفي هذا الانفجار من الإعجاز، ظهور نفس الماء من حجر لا اتصال له بالأرض، فتكون مادته منها، وخروجه كثيرا من حجر صغير، وخروجه بقدر حاجتهم، وخروجه عند الضرب بالعصا، وانقطاعه عند الاستغناء عنه. والتاء في اثنتا للتأنيث، وفي ثنتا للالحاق، وهذه نظير ابنة وبنت.
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ}؛ أي: كل سبط من الأسباط الاثني عشر مَشْرَبَهُمْ؛ أي: موضع شربهم، ونهرهم من تلك الأنهار التي جرت من الحجر، فكان كل سبط يأتي عينهم الخاصة بهم، لا يدخل سبط على غيره في شربه. والمشرب: إما مصر، أو اسم مكان. والحكمة في ذلك: أن الأسباط كانت بينهم عصبية، ومباهاة، وكل سبط منهم لا يتزوج من سبط آخر، وكل سبط يريد تكثير نفسه، فجعل الله لكل سبط منهم نهرا على حدة، ليستقوا منها، ويسقوا دوابهم؛ لكيلا يقع بينهم جدال، ومخاصمة. وكان ينبع من كل وجه من الحجر، ثلاث أعين تسيل كل عين في جدول إلى سبط، وكانوا ستمائة ألف، وسعة المعسكر اثني عشر ميلا. ثم إن الله تعالى، قد كان قادرا على تفجير الماء، وفلق البحر من غير ضرب، لكن أراد أن يربط المسببات بالأسباب، حكمة منه للعباد، في وصولهم إلى المراد، ويترتب على ذلك ثوابهم، وعقابهم في المعاد. ومن أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله، وقلة تدبره في عجائب صنعه، فإنه