للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا (١) لهم، أو قيل لهم: كلوا {وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} الذي يأتيكم من غير كدّ منكم، ولا تعب، بل هو من محض فضل الله تعالى، وإنعامه؛ أي: وقلنا لهم: كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الأنهار الاثني عشر كلّها، فالأكل يتعلّق بالأولين، والشرب بالثالث. وإنما لم يقل من رزقنا، كما يقتضيه قوله تعالى: {فَقُلْنَا} إيذانا بأن الأمر بالأكل، والشرب لم يكن بطريق الخطاب، بل بواسطة موسى عليه السلام. {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: لا تعتدوا في الأرض حال كونكم {مُفْسِدِينَ}؛ أي: متمادين ومبالغين في الإفساد، والطغيان بمخالفة موسى عليه السلام. وقال البيضاوي: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (٢)؛ أي: لا تعتدوا حال إفسادكم، وإنما قيّده به؛ لأن العثيّ وإن غلب في الفساد؛ فإنه قد يكون منه ما ليس بفساد، كمقابلة الظالم المعتدي بفعله، ومنه ما يتضمن صلاحا راجحا، كقتل الخضر عليه السلام الغلام، وخرقه السفينة. انتهى. والأصل في العثيّ: مطلق التعدّي، وإن غلب في الفساد، فيكون التقييد بالحال تقييدا للعامل بالخاص. وقوله: {اثْنَتا عَشْرَةَ} قرأ الجمهور {عَشْرَةَ} بسكون الشين. وقرأ مجاهد، وطلحة، وعيسى، ويحيى بن وثاب، وابن أبي ليلى، ويزيد بكسر الشين. وروى ذلك، نعيم السعيديّ، عن أبي عمرو، والمشهور عنه: الإسكان. وتقدم أنها لغة تميم، وكسرهم لها نادر في قياسهم؛ لأنهم يخفّفون فعلا، يقولون في نمر: نمر.

وقرأ ابن الفضل الأنصاري (٣)، والأعمش بفتح الشين. وروي عن الأعمش الإسكان، والكسر أيضا. قال الزمخشري: الفتح لغة. وقال ابن عطية: هي لغة ضعيفة. وقال المهدويّ: فتح الشين غير معروف، وإضافة المشرب إليهم في قوله: {مَشْرَبَهُمْ}؛ لأنه لمّا تخصص كلّ مشرب بمن تخصّص به، صار كأنه ملك لهم، وأعاد الضمير في مشربهم على معنى كل، لا على لفظها، ولا يجوز أن

يعود على لفظها، فيقال: مشربه؛ لأن مراعاة المعنى هنا لازمة؛ لأن كل قد


(١) روح البيان.
(٢) البيضاوي.
(٣) البحر المحيط.