أضيفت إلى نكرة، ومتى أضيفت إلى نكرة وجب مراعاة المعنى، فتطابق ما أضيفت إليه في عود ضمير، وغيره. قال تعالى:{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} وقال الشاعر:
وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن حللنا قيده فهو سارب
وقال:
وكلّ أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل
وقال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} وتقول: كل رجلين يقولان ذلك، ولا يجوز في شيء من هذا مراعاة لفظ كل، وثمّ محذوف، تقديره: مشربهم منها؛ أي: من الاثنتي عشرة عينا، ونصّ على المشروب؛ تنبيها على المنفعة العظيمة التي هي سبب الحياة.
والحكمة في قوله:{وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أنهم (١) لما أمروا بالأكل، والشرب من رزق الله، ولم يقيّد ذلك عليهم بزمان، ولا مكان، ولا مقدار من مأكول، أو مشروب، كان ذلك إنعاما، وإحسانا جزيلا إليهم، واستدعى ذلك التبسط في المآكل، والمشارب، وأنه ينشأ عن ذلك القوة الغضبية، والقوة الاستعلائية تنهاهم عمّا يمكن أن ينشأ عن ذلك، وهو الفساد، حتى لا يقابلوا تلك النعم بما يكفرها، وهو الفساد في الأرض. وقال ابن عباس، وأبو العالية معناه: ولا تسعوا. وقال قتادة: ولا تسيروا. وقيل: لا تتظالموا الشرب فيما بينكم؛ لأن كل سبط منكم قد جعل له شرب معلوم. وقيل معناه: لا تتمادوا في فسادكم. وقال ابن زيد: لا تطغوا. وهذه الأقوال كلها متقاربة. وقوله:{فِي الْأَرْضِ} الجمهور على أنها أرض التيه، ويجوز أن يريدها، وغيرها، ممّا قدّر أن يصلوا إليها، فينالها فسادهم، ويجوز أن يريد الأرضين كلّها. وأل لاستغراق الجنس، ويكون فسادهم فيها، من جهة أن كثرة العصيان والإصرار على المخالفات، والبطر يؤذن بانقطاع الغيث، وقحط البلاد،