للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معلوم ووزن معلوم إلا ما كان يوم الطوفان من ماء، فإنه نزل بغير كيل ولا وزن انتهى.

شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر (١)؛ إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب؛ إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان في قلوب المؤمنين {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ}؛ أي: حمل ورفع السيفُ الجاري في الوادي {زَبَدًا}؛ أي: غشاء {رَابِيًا}؛ أي: منتفخًا مرتفعًا فوق الماء طافيًا عليه. والزبد: اسم لكل ما علا وجه الماء من رغوة وغيرها، سواء حصل بالغليان والاضطراب أو بغيره، وهذا هو المثل الأول ضربه الله للحق والباطل، والإيمان والكفر.

والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء، فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادي وتدفعه الرياح، فكذلك يذهب الكفر ويضمحل.

والمعنى (٢): أي أنزل من السحاب مطرًا فسالت مياه الأودية بحسب مقدارها في الصغر والكبر، فحمل السيل الذي حدث من ذلك الماء زبدًا عاليًا مرتفعًا فوقه طافيًا عليه، وقد تم المثل الأول. ثم شرع سبحانه في ذكر المثل الثاني، فقال: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} خبر مقدم لقوله: زبد مثله، و {عَلَيْهِ} متعلق بـ {يُوقِدُونَ}، والإيقاد: جع النار تحت الشيء ليذوب، و {فِي النَّارِ} حال من الضمير في {عَلَيْهِ}؛ أي: ومما يوقد الناس عليه من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد، حالة كونه ثابتًا في النار ليذوب ويخلص عن الخبث. وقوله: {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ} مفعول لأجله؛ أي: لأجل طلب اتخاذ زينة من حليٍّ كالسوار والطوق، أو اتخاذ متاع كالأواني والقدور وغيرها من آلات الحرب والحصد وأدوات المصانع وأدوات القتال والنزال {زَبَدٌ}؛ أي: وسخ وخبث {مِثْلُهُ}؛ أي: مثل زبد الماء ووسخه في أن كلًّا منهما شيء من الأكدار، المعني؛ أي: وزبد مثل زبد السيل كائن وناشىء من الجواهر التي


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.