للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوقدون عليها النار {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل هذا التبيين للأمور الأربعة الماء والجوهر والزبدين {يَضْرِبُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى، ويبين {الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}؛ أي: الإيمان والكفر؛ أي: يبين مثلهما وشبههما في الثبات والاضمحلال؛ أي: وما مثل الحق والباطل إذا اجتمعا إلا مثل السيل والجوهر وزبديهما، فكما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة ونحوهما مما يسبك في النار، بل يذهب ويضمحل، فالباطل لا ثبات له ولا دوام أمام الحق. ثم فصل هذا بقوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ} من الماء والجوهر {فَيَذْهَبُ جُفَاءً}؛ أي: مضمحلًا متلاشيًا لا منفعة فيه ولا بقاء له؛ أي: فينعدم مرميًّا؛ أي: يرميه الماء إلى الساحل ويرميه الكير {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} من الماء الصافي والجوهر الخالص {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يبقى ويثبت في الأرض، فالماء يثبت بعضه في منافعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والآبار والجوهر، يصاغ من بعضه أنواع الحلي، ويتخذ من بعضه أصناف الآلات، فينتفع بكل من ذلك مدة طويلة.

والمعنى (١): أي فأما الزبد الذي يعلو السيل .. فيذهب مرميًّا في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر، وتنسفه الرياح، وكذلك خبث الحديد والنحاس والذهب والفضة يذهب ولا يرجع منه شيء، وأما ما ينفع الناس من الماء والذهب والفضة .. فيمكث في الأرض، فالماء نشربه ونسقي به الأرض، فينبت جيد الزرع الذي ينتفع به الناس والحيوان. والذهب والفضة نستعملهما في الحلي وصك النقود، والحديد والنحاس ونحوهما نستعملها في متاعنا من الحرث والحصد، وفي المعامل والمصانع ووسائل الدفاع ونحو ذلك.

واعلم: أن وجه (٢) المماثلة بين الزبدين في الزبد الذي يحمله السيل، والزبد الذي يعلو الأجسام المنطرقة: أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبدًا رابيًا فوقه، وكذلك ما يوقد عليه في النار حتى يذوب من الأجسام المنطرقة, فإنَّ أصله من المعادن التي تنبت في الأرض، فيخالطها التراب، فإذا أذيب صار


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.