للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتأخير، والتقدير: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، وفرحوا بالحياة الدنيا، فيكون {فْرَحُوا} معطوفًا على {يفسدون}. {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}؛ أي: وما نعيم الحياة الدنيا الفاني {فِي الْآخِرَةِ}؛ أي: بالنسبة إلى نعيم الآخرة الباقي {إِلَّا مَتَاعٌ}؛ أي: إلا شيء قليل ونزر يسير سريع الزوال يتمتع به قليلًا، فهو كزاد الراعي يتزود بها إلى الآخرة، وعجالة الراكب؛ وهي ما يتعجل به من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك، فلا حق لهم في البطر والأشر بما أوتوا من حظوظها، وانتفعوا به من خيراتها، فهم قد اعتزوا بالقليل السريع الزوال. و {في} في قوله: {فِي الْآخِرَةِ} ليست (١) ظرفًا لـ {الْحَيَاةُ} ولا لـ {الدُّنْيَا}؛ لأنهما لا يقعان فيها، بل هي حال، والتقدير: وما الحياة القريبة إلى الزوال حالة كونها كائنة في جنب حياة الآخرة؛ أي: بالقياس والنسبة إليها إلا متاع، فـ {في}: للمقايسة، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق.

وأخرج الترمذي عن المستورد قال (٢): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم يرجع"، وأشار بالسبابة.

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود وصححه قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك، فقال: "ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة ثم راح وتركها".

قال في "الحكم العطائية" (٣): إن أردت أن لا تعزل، فلا تتول ولايةً لا تدوم لك، وكل ولايات الدنيا كذلك، وإن لم تعزل عنها بالحياة عزلت عنها بالممات، قال: وقد جعل الله الدنيا محلًا للأغيار ومعدنًا لوجود الأكدار تزهيدًا لك فيها حتى لا يمكنك استناد إليها ولا تعريج عليها. وقد قيل: إن الله تعالى


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.