للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلمها بوجه لا يعلمه إلا هو تعالى، نظير قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)}.

والخطاب فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد به كل فرد من الناس ممن له عقل وتفكر، يستدل به على كمال قدرة الله ووحدانيته، وأنه الخالق لجميع الأشياء المدبر لها بلطيف حكمته وقدرته.

وأصل الوحي الإشارة السريعة، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد، ويقال الكلمة الإلهية التي يلقيها الله تعالى إلى أنبيائه وحيٌ، وإلى أوليائه إلهامٌ، وتسخير الطير لما خلق له وحي، ومنه قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}؛ أي: أنه تعالى سخَّرها لما خلقها له، وألهمها رشدها وقدر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة، التي يعجز عنها العقلاء من البشر، وذلك أن النحل تبني بيوتًا على شكل مسدس من أضلاع متساوية، لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها، ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربعة أو غير ذلك من الأشكال .. لكان فيما بينها خلل، ولما حصل المقصود، فألهمها الله سبحانه وتعالى أن تبنيها على هذا الشكل المسدس، الذي لا يحصل فيه خلل وفرجة خالية ضائعة.

وألهمها الله تعالى أيضًا أن تجعل عليها أميرًا كبيرًا نافذ الحكم فيها، وهي تطيعه وتمتثل أمره، ويكون هذا الأمير أكبرها جثة وأعظمها خلقة، ويسمى يعسوب النحل يعني ملكها، كذا حكاها الجوهري، وألهمها (١) الله سبحانه وتعالى أيضًا أن جعلت على باب كل خلية بوابًا، لا يمكن غير أهلها من الدخول إليها، وألهمها الله تعالى أيضًا أنها تخرج من بيوتها وتدور وترعى ثم ترجع إلى بيوتها ولا تضل عنها، ولما امتاز هذا الحيوان الضعيف بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والفطنة .. دل ذلك على الإلهام الإلهي، فكان ذلك شبيهًا بالوحي، فلذلك قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقرأ ابن وثاب: {النَّحل}


(١) الخازن.