للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بينهما حذق النحل وفطنته وقلة أذاه، ومنفعته وتنزهه عن الأقذار، وطيب أكله، وأنه لا يأكل من كسب غيره، وطاعته لأميره، وأن للنحل آفات تقطه عن عمله، منها الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار، وكذلك المؤمن له آفاتٌ تغيره عن عمله، ظلمة الغفلة، وغيم الشك، وريح الفتنة، ودخان الحرام، وماء السفه، ونار الجوى.

وجمهور المفسرين (١) على أنَّ العسل يخرج من أفواه النحل، وقيل: من أسفلها، وقيل: لا يدرى من أين يخرج منها، {فِيهِ}؛ أي: في ذلك الشراب الخارج من بطون النحل وهو العسل {شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}؛ أي: شفاءٌ وعافيةٌ لهم من الأوجاع التي يعرف شفاؤها منه، يعني أنَّ العسل من جملة الأشفية المشهورة النافعة لأمراض الناس، وليس المراد أنه شفاء كل مرض، كما قال في "حياة الحيوان": قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} لا يقتضي العموم لكل علة، وفي كل إنسان، لأنه نكرةٌ في سياق الإثبات، بل المراد أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في حال دون حال.

وللعسل أسماء كثيرة (٢)، منها الحافظ الأمين؛ لأنه يحفظ ما يودع فيه، فيحفظ الميت أبدًا، واللحم ثلاثة أشهر، والفاكهة ستة أشهر، وكل ما أسرع إليه الفساد إذا وضع في العسل .. طالت مدة مقامه، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن في إخراج الله سبحانه وتعالى من بطون النحل الشراب المختلف الألوان، الذي فيه شفاء للناس {لَآيَةً}؛ أي: لحجةً ظاهرة دالة على القدرة الربانية {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في ذلك فيعتبرون ويستدلون بما ذكرنا على وحدانيتنا وقدرتنا؛ أي: لدلالةً واضحة على أن من سخّر النحل وهداها لأكل الثمرات التي تأكلها، واتخاذها البيوت في الجبال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها أخرج مما فيه شفاء للناس، هو الواحد القهار، الذي ليس


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.