تعالى قادر على خرق سننه بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية، ثم عودتها في مدة قصيرة عصًا صغيرةً كما كانت.
عظة وذكرى
إنا لنقف قليلًا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورًا هي الغاية في العظة والاعتبار:
١ - أنّ هاتين الرحلتين: الرحلة الأرضية «الإسراء» والرّحلة السماوية «المعراج» حدثتا في ليلة واحدة، قبل الهجرة بسنة، ليمحص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان، ومن في قلبه منهم مرض فيكون الأول خليقًا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، والإنضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقّة من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمةٍ، تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور في ذلك الحين شرقًا، وغربًا.
٢ - أنّ الله تعالى أطلع رسوله على ما في هذا الكون أرضيةً وسماويةً من العظمة والجلال ليكون درسًا عمليًا لتعليم رسوله بالمشاهدة، والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التّعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسيح في أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء، فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم الّتي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها، إلا بضرب من التخيّل والتوهم، فأنى لنا أن نصل إلى ذلك، وقد حبس عنّا الكثير من العلم، ولم نؤت إلا قليله {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
٣ - أن ما يجدُّ كل يوم من ضروب المخترعات والتوصل بها إلى طي المسافات بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات في قليل الساعات من قارّة إلى قارّة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أنّ ما جاء في وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
٤ - أن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيل إلينا من