وقد تضمّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ} استبعادًا لعدم قبولهم الإيمان مع مشاهدة الآيات الباهرة، وتسليةً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وللمؤمنين؛ لأنّهم كانوا شديدي الحرص على إيمانهم.
ومنها: الإتيان بالجملة الحالية في قوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إفادةً لكمال قُبْحِ صنيعهم، وأنَّ تحريفهم للتوراة كان عن قصدٍ وتصميمٍ، لا عن جهل ونسيانٍ، ومن يرتكب المعصية عن علم يستحقُّ الذمَّ والتوبيخ، أكثر ممن ارتكبها وهو جاهل.
ومنها: الاستفهام بمعنى النهي في قوله: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ}؛ لأنَّ المعنى: لا تحدِّثوهم يعنون المؤمنين.
ومنها: التعبير بالفتح في قوله: {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}؛ للإيذان بأنّه سِرٌّ مكنون، وبابٌ مغلقٌ لا يقف عليه أحدٌ.
ومنها: التوبيخ والعتاب في قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
ومنها: الطباق في قوله: {يسرون ويعلنون} حيث قابل بين لفظتي يسرّون ويعلنون، وهو نوع طباق الإيجاب.
ومنها: ذكر الأيدي في قوله: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} مع أنَّ الكتابة لا تكون إلّا بالأيدي؛ لدفع توهُّم المجاز بأنَّ المراد أَمْلَوْهُ لغيرهم، وللتأكيد بأنَّ الكتابة باشروها بأنفسهم، كما يقول القائل: كتبته بيميني وسمعته بأذني، وفيه الإطناب أيضًا لتصوير حالة الكتابة في النفس، كما وقعت، وتجسيدها أمام السامع حتى يكاد يكون مشاهدًا لها، ولتسجيل الأمر عليهم، كما تقول لمن ينكر معرفته: ما كتب ووقع أنت كتبته بيمينك.