{إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا}؛ أي: إن الله أخلصه واصطفاه، وأبعد عنه الرجس، وطهره من الذنوب والآثام، كما جاء في الآية الأخرى {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}{نَجِيًّا}؛ أي: مناجيًا مكلمًا لله بلا واسطة، أصله: نجيو من نجا ينجو، اجتمعت حرفا علة فسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً، ثم أدغمت الياء في الياء فصار {نَجِيًّا}.
{مَرْضِيًّا} العامة على قراءته كذلك معتلًا، وأصله: مرضووٌ بواوين الأولى زائدة كهي في مضروب، والثانية لام الكلمة لأنه من الرضوان، فأعل بقلب الواو الأخيرة ياءً، لوقوعها متطرفةً، فاجتمعت الياء والواو فسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً، فأدغمت الياء في الياء فصار {مَرْضِيًّا} ويجوز النطق بالأصل، وقرأ ابن أبي عبلة: بهذا الأصل وهو الأكثر اهـ. "سمين".
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} قيل سمي إدريس لكثرة دراسته كتاب الله عز وجل، وكان اسمه أخنوخ وهو غير صحيح؛ لأنه لو كان إفعيلًا من الدرس .. لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية، فكان منصرفًا، فامتناعه من الصرف دليل على عجمته، وكذلك إبليس أعجمي وليس من الإبلاس كما يزعمون، ولا يعقوب من العقب، ولا إسرائيل بإسرال كما زعم ابن السكيت، ومن لم يحقق ولم يتدرب بالصناعة .. كثرت منه أمثال هذه الهنات، ويجوز أن يكون معنى إدريس في تلك اللغة قريبًا من ذلك، فحسبه الراوي مشتقًا من الدرس، وما أجمل حرية الرأي. اهـ من "إعراب القرآن".
{سُجَّدًا وَبُكِيًّا}: جمع ساجدٍ وباكٍ والأول قياس كراكع وركع وعاذل وعذَّل، والثاني شاذ؛ لأن قياس فاعل من المنقوص أن يُجمع على فعلة، كقاضٍ وقضاةٍ؛ وباغٍ وبغاةٍ ورامٍ ورماةٍ وساعٍ وسعاةٍ وطاغٍ وطغاةٍ؛، فقياس باكٍ هنا أن يجمع على بكاةٍ، كما قال ابن مالك:
فِىْ نَحْوِ رَامٍ ذُوْ اطَّرَادٍ فُعَلَهْ
{فَخَلَفَ}؛ أي: وجد وحدث {مِنْ بَعْدِهِمْ}؛ أي: من بعد النبيين