{مِنْهَا} و {فِيهَا}، وبين الخلق والإعادة، وهذا من المحسنات البديعية.
ومنها: رد العجز على الصدر في قوله: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} وسماه المتأخرون التصدير، وهو أخف على السمع، وأليق بالمقام، وهو توافق كلمة في الصدر، مع كلمة في الآخر، وله أقسام مذكور في محله.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ}؛ أي: فالقوا فإذا حبالهم، حذف لدلالة المعنى عليه، ومثله {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} بعد قوله: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} حذف منه كلام طويل، وهو فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا من السحر {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} إنما حسن الحذف لدلالة المعنى عليه، ويسمى: ايجاز حذف.
ومنها: استدراج الخصم لموسى حيث قال: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} ثقةً منهم بأنهم فائزون عليه، حيث، فوَّضوا ضرب الموعد إليه، ولكن موسى استدرجهم بإلهام من الله عز وجل، أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم، ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد، فيكون أفضح بكيدهم، وأهتك لسترهم، ولما استدرجوه بالتخيير في الإلقاء، أيكون هو البادىء، أم يكونون هم البادئين .. أستدرجهم هو إلى أن يجعلهم مبتدئين، بما معهم، ليكون إلقاؤه العصا بعد قذفاً بالحق على الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، فما أروع هذا الكلام.
ومنها: التأكيد في قوله: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} بالضميرين اللذين هما: {نَكُونَ} و {نَحْنُ} دل ذلك على أنهم يريدون التقدم عليه، والإلقاء قبله.
ومنها: التأكيد في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} فتوكيد الضميرين هاهنا في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} أنفى للخوف من قلب موسى، وأثبت للغلبة والقهر، ولو قال لا تخف إنك الأعلى .. لم يكن فيه من التقرير والإثبات لنفي الخوف، ما لقوله {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}.