ومنها: الإبهام في قوله: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} لتفخيم شأنها، والإيذان بأنها ليست من جنس العصي المعهودة؛ لأنها مستتبعة لآثار غريبة.
ومنها: في قوله {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ست فوائد من البلاغة:
١ - {إِنَّ} المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها وتأكيده، وقد نص علماء المعاني، على أن الخبر يكون مع {إِنَّ} طلبيًا، أو إنكاريًا لا ابتدائيًا، كقولك: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدًا قائم، ففي قولك: إن زيدًا قائم من الإثبات لقيام زيد، ما ليس في قولك: زيد قائم.
٢ - تكرير الضمير في قوله:{إِنَّكَ أَنْتَ} ولو اقتصر على أحد الضميرين .. لما كان بهذه المثابة في التقرير، لغلبة موسى والإثبات.
٣ - لام التعريف في قوله:{الْأَعْلَى} ولم يقل أعلى أو عال؛ لأنه لو قال ذلك .. لكان قد نكَّره، وكان صالحًا لكل واحد من جنس، كقولك: رجل فإنه يصلح أن يقع على كل واحد من الرجال، وإذا قلت الرجل .. فقد خصصته من بين الرجال بالتعريف، وجعلته علمًا فيهم، وكذلك جاء قوله:{إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}؛ أي: دون غيرك.
٤ - لفظ أفعل الذي من شأنه التفضيل، ولم يقل: العالي فهو أعلى من كل عال.
٥ - لفظ العلو الدال على أن الغلبة ثابتة له من جهة العلو، ومعلوم أن الغرض من قوله:{الْأَعْلَى}: الغلبة، إلا أن في {الْأَعْلَى} زيادةً، وهي كونها صادرةً من مكان عال.
٦ - الاستئناف وهو قوله تعالى:{لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ولم يقل لأنك أنت الأعلى، فكان ذلك أبلغ في إيقان موسى - عليه السلام - بالغلبة والاستعلاء، وأثبت ذلك في قرارة نفسه، بما لا يدع أيّ: مجال للشك.