السلام، فقال:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى} وهذا من (١) تمام التبكيت والتوبيخ، داخلٌ تحت الأمر بالقول، واللام موطِّئةٌ للقسم؛ أي: وعزّتي وجلالي: لقد جاءكم وأتاكم موسى بن عمران عليه السلام، حالة كونه ملتبسًا {بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: بالمعجزات الواضحة الظاهرة الدالّة على صدقه، وصحّة نبوّته؛ يعني: الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام، المذكورةَ بقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وهي العصا، واليد، والسنون، ونقص الثمرات، والدم، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، وفلق البحر {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} إلهًا وعبدتموه {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد مجيئه بها، أو من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور لأخذ التوراة، و {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة، والدلالة على نهاية قبح ما فعلوا، وجملة قوله:{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} أنفسكم بعبادته، حال من فاعل {اتخذْتُمُ}؛ أي: عبدتم العجل، والحال أنّكم واضعون العبادة في غير موضعها، أو حال كونكم ظالمين أنفسكم بعبادته، وهذه الآية توبيخ لليهود على كفرهم، وعبادتهم العجل بعدما رأوا آيات موسى، وبيان أنّهم كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فليس بأعجب من كفرهم في زمن موسى؛ لقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب قدرة الله تعالى التي أجراها على يد موسى عليه السلام، ومع ذلك عبدوا العجل وكرّرت هذه الجملة - أعني: جملة اتخاذ العجل - لدعواهم أنّهم يؤمنون بما أنزل عليهم وهم كاذبون في ذلك، ألا ترى أنّ اتخاذ العجل ليس في التوراة؛ بل فيها أن يفرد الله سبحانه بالعبادة؛ أو لأنّ عبادة غير الله أكبر المعاصي، فكرّر عبادة العجل؛ تنبيهًا على عظيم جرمهم؛ ولأنّ ذكر ذلك أعقبه تعداد النعم بقوله:{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ} و {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} وهنا أعقبه التقريع والتوبيخ، ولأنّ في قصّة الطور ذكر توليهم عما أمروا به من قبول التوراة، وعدم رضاهم أحكامها اختيارًا حتى أُلْجِئُوا إلى القبول اضطرارًا، فدعواهم الإيمان بما أنزل إليهم غير مقبولة، ثمّ في قصّة الطور تذييلٌ لم يتقدّم ذكره، والعرب متى أرادت التنبيه على تقبيح شيء، أو تعظيمه كرَّرته، وفي هذا - التكرار أيضًا من الفائدة: تذكارهم