للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأن في الانقطاع بعد الاتصال ألمًا شديدًا، بخلاف الانقطاع الأصلي.

والمعنى (١): أي قال له موسى: اذهب فأنت طريد من بين الناس، فلا يخالطك أحد ولا تخالط أحدًا، حتى لو سئلت عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس؛ أي: لا يماسني أحد ولا أماس أحدًا، قال مقاتل: إن موسى - عليه السلام - أمره هو وأهله بالخروج من محلة بني إسرائيل، فخرج طريدًا في البراري.

وقصارى ذلك: أنه خاف وهرب، وجعل يهيم في الصحارى والقفار، حتى صار لبعده عن الناس كأنه قائل ذلك، وقيل (٢): أراد موسى قتله، فمنعه الله من قتله؛ لأنه كان شيخًا، قال بعض مشايخنا: وقد وقع مثل هذا في شرعنا في قصة الثلاثة الذين خالفوا أمر الرسول - عليه السلام - أن لا يكلموا ولا يخالطوا، وأن يعتزلوا نساءهم، حتى تاب الله عليهم.

وقرأ الجمهور: {لَا مِسَاسَ} بفتح السين والميم المكسورة، ومساس: مصدر ماس كقتال من قاتل، وهو منفي بـ {لا} التي لنفي الجنس، وهو نفي يريد به النهي، أي: لا تمسني ولا أمسك، وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وقعنب: بفتح الميم وكسر السين، فقال صاحب "اللوامح": هو على صورة نزال ونظار، من أسماء الأفعال، بمعنى أنزل وانظر، فهذه الأسماء التي بهذه الصيغة معارف، ولا تدخل عليها لا النافية، التي تنصب النكرات، نحو لا مال لك، لكنه فيه نفي الفعل، فتقديره: لا يكون منك مساس، ولا أقول مساس، ومعناه: النهي؛ أي: لا تمسني. انتهى.

وظاهر هذا: أن مساس: اسم فعل، وقال الزمخشري: {لَا مِسَاسَ} بوزن فجار، معدول عن المصدر الذي هو المسة، كفجار معدولًا عن الفجرة.

وأما جزاؤه في الآخرة: فقد ذكره بقوله: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا}؛ أي: وعدًا في


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.