قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بيّن أن الكافرين في الآخرة لا يستطيعون أن يمنعوا عن وجوههم النار، ولا عن ظهورهم، وأنه سيكون لهم من الأهوال ما لم يكن يخطر لهم ببال .. أعقب ببيان أنه لولا أن الله قدر لهم السلامة في الدنيا، وحرسهم إلى حين لما بقوا سالمين، وأنه مع إنعامه عليهم ليلًا ونهاراً بالحفظ والحراسة هم معرضون عن الدلائل الدالة على أنه لا حافظ لهم سواه، وأنه قد كان ينبغي لهم أن يتركوا عبادة الأصنام التي لا حقالها في شيء من ذلك، فهي لا تستطيع أن تحفظ أنفسها من الآفات، فضلا عن منع بأس الله إن حل بهم، ثم أردف ذلك ببيان أن الذي حملهم على الإعراض عن ذلك، هو طول الأمد حتى نسوا العهد، وجهلوا مواقع النعمة، وقد كان لهم في نقص الأرض من أطرافها، وفتح المسلمين لها عبرة أيما عبرة، فها هم يرون محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه يفتحون البلاد والقرى حول مكة، ويدخلونها تحت راية الإِسلام، ويقتلون الرؤساء والعشائر من المشركين، فمن حقهم أن يفكروا في هذا مليًّا، ويرعووا عن غيهم، ويعلموا آثار قدرتنا، وأن جندنا هم الغالبون، ثم قفّي على ذلك ببيان أن وظيفة الرسل هي الإنذار والتبليغ، وليس عليهم الإلزام والقبول، فإذا كانت القلوب متحجّرة، والآذان صمّاء، فماذا تجدى العظة! وماذا ينفع النصح.
ولئن أصابهم القليل من عذاب الله لتنادوا بالويل والثبور، واعترفوا على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين، ثم قفّى على ذلك ببيان أن الدار الآخرة لا ظلم فيها, ولا محاباة، فالمرء يحاسب فيها على الجليل والحقير، فهناك تنصب موازين العدل، ويجازي كل امرئ بما قدّم من خير أو شرّ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)}.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم: إنما أنذركم بالوحي .. أردفه ببيان أنَّ هذه سنة الله في أنبيائه، فكلهم قد أتاهم الوحي، وبلغهم من الشرائع والأحكام ما فيه هدايةٌ للبشر، وسعادةٌ لهم في دنياهم وآخرتهم.