للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لمّا عدَّد (١) في الآيات السالفة ما أنعم به على بني إسرائيل من النعم، وذكر ما قابلوها به من الكفران، ذكر هنا أنَّ الآيات البينات الدالة على صدق دعوة موسى، ووحدانية الله، وعظيم قدرته، لم تزدهم إلّا انهماكًا في الشرك، وتوغّلًا في ضروب الوثنية، فالنعم التي أسبغها عليهم لم يكن لها من شكر إلّا اتخاذ العجل إلهًا يعبدونه من دون الله، فكيف يعتذرون عن عدم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، بأنَّهم لا يؤمنون إلّا بما أنزل إليهم، وهذا دليل على قسوة قلوبهم، وفساد عقولهم، فلا أمل فيهم لهداية، ولا مطمع لفكرٍ وتأمُّلٍ، بعد أن اختلَّ الوجدان، وضعف الجنان، وهذه الآيات البينات التي ذكرت هنا: كانت في مصر قبل الميعاد الذي نزلت فيه التوراة، وما ذكر من النعم هناك كان في أرض الميعاد.

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر في الآيات السالفة معاذير لليهود اعتذروا بها عن الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به من الآيات البينات، كقولهم: إنهم مؤمنون بكتابٍ من ربّهم، فلا حاجة لهم بهداية غيره، فَنَقَض دعواهم، وأَلْزمَهم الحجة، وقولَهم: إنّهم ناجون حتمًا في الآخرة؛ لأنّهم شَعْبُ الله وأبناؤُه، فأبطل مزاعمهم، ودَحضَ حُجَجهم ... ذكر (٢) هنا تَعِلَّةً أخرى هي أعجبُ من كل ما تقدَّم، وفنَّدَها كما فنَّد ما قبلها، تلك هي قولهم: إنَّ جبريل الذي يَنِزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بالوحي عدوُّهم، فلا يؤمنون بما يجيء به منه، وقد أُثِر عنهم عدَّة روايات تشرحُ هذه المقالةَ:

منها: أن أحد علمائهم وهو عبد الله بن صوريا، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الملك الذي ينزل عليه بالوحي؟ فقال: هو جبريل، فقال ابن صوريا: هو عدو اليهود؛ لأنّه أنذرهم بخراب بيت المقدس، فكان ما أنذر به.

ومنها: أنّ عمر بن الخطاب دخل مِدْراسهم، فذكر جبريل، فقالوا: ذاك


(١) المراغي.
(٢) المراغي.