عدونا يطلع محمدًا على أسرارنا، وأنّه صاحب كل خسف وعذاب، وأنّ ميكائيل ملك الرحمة ينزل بالغيث والرخاء.
ولا شكّ أنّ هذا منهم دليل على خطل الرأي، وعدم التدبُّر، وإنّما ذكره الكتاب الكريم؛ ليستبين للناس حجج أهل الكتابِ، ويعرفوا مِقدارَ مِرائهِم وسخفهم في جَدَلهِم، وأنهم ضعات الأحلام، قليلوا التَدبرِ في عواقب ما يقولون.
قوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لمَّا ذَكَّر فيما سبق ببعض أحوالهم الشَّنيعة، ومقالاتهم القبيحة .. بيَّن في هذه الآيات حالًا من أحوالهم هي عِلَّةُ ما يصدر عنهم من جحود، وعناد، ومعاداةٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، هي أنَّ فريقًا منهم نبذوا كتاب الله الذي به يَفْخَروُن حين جاء الرسول بكتابٍ مصدِّقٍ لما بين أيديهم، فإنَّ ما في كتابهم من البشارة بنبيٍّ يجيءُ من ولد إسماعيل لا ينطبق إلّا على هذا النبي الكريم، وليس المراد (١): أنّهم نبذوا الكتاب جملةً وتفصيلًا، بل نبذوا منه ما يُبشّر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُبيِّن صفاته، وما يأمرهم بالإيمان به واتباعه، ولا شك أنَّ ترك بعضه كترك كله، إذ إنَّه يُذْهِب باحترام، ويفتح البابَ لترك الباقي، وهذا الجحود لم يكن بِضَائرٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا لدعوته، وقد قبلها، واهتدى بها كثيرٌ من اليهود، ومن غيرهم، وحين نبذوه اشتغلوا بصناعات، وأعمال صادَّةٍ عن الأديان من صنع شياطين الإنس والجنّ، فاشتغلوا بالسحر، والشَّعوذة، والطلسمات التي نسبوها إلى سليمان، وزعموا أنَّ ملكه كان قائمًا عليها، وهذه أباطيل منهم وسوسوا بها إلى بعض المسلمين، فصدَّقوهم فيما زعموا منها، وكذّبوهم فيما رموا به سليمان من الكفر، ولا يزال حال الدجالين من المسلمين إلى اليوم يتلون العزائم، ويخطُّون خطوطًا، ويعملون طلسمات يسمُّونها خاتم سليمان، وعهودًا يزعمون أنّها تحفظ