للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأفسدته، وكان ربك شاهدًا عليمًا، بما حكم به داود وسليمان بين القوم، الذين أفسدت غنمهم الحرث، وصاحب الحرث لا يخفى عليه شيء منه، ولا يغيب عنه علمه، ففهم الفتيا في ذلك لسليمان دون داود، وقد كان كل منهما فيصلًا في الحكم وفي الخصومات، ذا علم بالدين والتشريع.

وقد روى الرواة في تفصيل هذه القصة: أن رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا الرجل أرسل غنمه في حرثي، فلم تبق منه شيئًا، فقال داود: اذهب فإن الغنم كلها لك. ومر صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود، فقال: يا نبي الله، إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال: كيف؟ قال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث، فيكون له منافعها من درّها وأولادها وأشعارها، والحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان، ثم يترادَّان فيأخذ صاحب الحرث حرثه، وصاحب الغنم غنمه. فقال داود: القضاء ما قضيت، وأمضى الحكم بذلك.

وجه الرأي لدى كل منهما (١)، أن داود قدر الضرر في الحرث، فكان مساويًا لقيمة الغنم، فسلم الغنم للمجني عليه، وأن سليمان قدر منافع الغنم بمنافع الحرث فحكم بها، وكان حكمهما بالاجتهاد دون الوحي، إذ لو كان به ما أمكن تغييره.

فإن قلت: فما حكم (٢) هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية؟

قلت: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث البراء، أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينًا، أو قيمةً. وقد ذهب جمهور فيه العلماء، إلى العمل بما تضمنّه هذا الحديث. وقد ذهب أبو


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.