للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين، إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعًا في ليل أو نهار، أنه لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جرح العجماء جبار" قياسًا لجميع أفعالها على جرحها. ويجاب عنه، بأن هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابلة النص، ومن أهل العلم، من ذهب إلى أنه، يضمن رب الماشية، ما أفسدته، من غير فرق بين الليل والنهار. ويجاب عنه بحديث البراء.

ولما مدح داود وسليمان علي سبيل الاشتراك، ذكر ما يختص بكل واحد منهما، نبدأ بداود، فقال: {وَسَخَّرْنَا}؛ أي: وذلّلنا {دَاوُودَ الْجِبَالَ} و {مَعَ} متعلقة بالتسخير، وهو تذليل الشيء وجعله طائعًا منقادًا، وقوله: {يُسَبِّحْنَ} حال من الجبال؛ أي (١): حالة كونهن يقدسن الله تعالى، بحيث يسمع الحاضرون تسبيحهن، فإنه هو الذي يليق بمقام الامتنان، لا انعكاس الصدى، فإنه عام. وكذا ما كان بلسان الحال فاعرف؛ أي: (٢) ينطق بالتسبيح، وكان داود يسبح وحده، فالله تعالى خلق فيها الكلام، كما سبّح الحصى في كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع الناس ذلك.

وقال أبو حيان (٣): قيل كان يمر بالجبال مسبّحًا وهي تجاوبه. وقيل: كانت تسير معه حيث سار. والظاهر وقوع التسبيح منها بالنطق، خلق الله فيها الكلام كما سبّح الحصى في كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسمع الناس ذلك، وكان داود يسمعه، قاله يحيى بن سلام. وقيل: كل واحد.

وقوله: {وَالطَّيْرَ} بالنصب عطفًا على الجبال؛ أي: وسخرنا الطير معه حالة كونها تسبّح معه. وقدمت الجبال على الطير (٤) لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز؛ لأنها جماد، والطير حيوان،


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.