للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألف سنة {وَاللَّهُ بَصِيرٌ}، أي: عالم {بِمَا يَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، والبصير في كلام العرب: العالم بكنه الشيء، الخبير به؛ أي: عالمٌ بخفيَّات أعمالهم من الكفر، والمعاصي، لا يخفى عليه شيءٌ منها، فهو مجازيهم عليها لا محالة بالخزي، والذلِّ في الدنيا، والعقوبة في العقبى، وهذه الحياة العاجلة تنقضي سريعةً، وإن عاش المرء ألف سنةٍ، أو أزيد عليها، فمن أحبَّ طول العمر للصلاح فقد فاز، وفي الحديث: "طوبى لمن طال عمره وحسن عمله" ومن أحبَّه للفساد فقد ضلَّ، ولا ينجو ممَّا يخاف، فإن الموت يجيءُ ألبتة، واجتمعت الأمة على أن الموت ليس له سِنٌّ معلومٌ، ولا أجلٌ معلومٌ، ولا مرضٌ معلومٌ، وذلك ليكون المرء على أهبةٍ من ذلك، وكان مستعدًا لذلك بعض الصالحين ينادي بالليل على سور المدينة: الرحيل الرحيل! فلمَّا توفّي فقد صوته أمير تلك المدينة، فسأل عنه، فقيل له: إنّه مات.

مَا زَالَ يَلْهَجُ بِالرَحِيْلِ وذِكْرِهِ ... حَتَّى أناخَ بِبَابِهِ الجَمَّالُ

فأصَابَهُ مُسْتَيْقِظًا مُتَسَمِّرًا ... ذَا أُهْبَةٍ لَمْ تُلْهِهِ الآمَالُ

فإصابةُ الموت حقٌّ وإن كان العيش طويلًا، والعمر مديدًا، وهو ينزل بكل نفسٍ، راضيةً كانت، أو كارهةً. وقرأ الجمهور (١) {يَعْمَلُونَ} بالياء على نسق الكلام السابق. وقرأ الحسن، وقتادة، والأعرج، ويعقوب: بالتاء على سبيل الالتفات، والخروج من الغيبة إلى الخطاب، وأتى بصيغة المضارع، وإن كان علمه تعالى محيطًا بأعمالهم السالفة، والآتية؛ لتواخي الفواصل.

وقد تضمَّنت هذه الآية الكريمة: الامتنان على بني إسرائيل، وتذكارهم بنعم الله تعالى، إذ أتى موسى التوراة المشتملة على الهدى والنور، ووالى بعده بالرسل؛ لتجديد دين الله وشرائعه، وأتى عيسى الأمور الخارقة للعادة من إحياء الأموات، وإبراء الأكمه والأبرص، وإيجاد المخلوق، ونفخ الروح فيه، والإنباء بالمغيَّبات، وغير ذلك، وأيَّده بمن ينزل الوحي على يديه وهو جبريل عليه


(١) البحر المحيط.