الناس، هو سجود الطاعة، الخاص بالعقلاء، والمراد بالسجود المتقدم، هو الانقياد، فلو ارتفع بالعطف على {مَن} لكان في ذلك جمع بين معنين مختلفين في لفظ واحد، وأنت خبير، بأنه لا ملجأ إلى هذا بعد حمل السجود على الانقياد، ولا شك أنه يصح أن يراد من سجود كثير من الناس، هو انقيادهم، لا نفس السجود الخاص، فارتفاعه بالعطف لا بأس به، وإن أبى ذلك صاحب "الكشاف" ومتابعوه.
قال في "التأويلات النجمية": أهل العرفان، يسجدون سجود عبادة، بالإرادة، والجماد وما لا يعقل، ومن لا يدين، يسجدون سجود خضوع للحاجة.
وخلاصة معنى الآية: ألم تعلم (١) أيها المخاطب بهذا أن هذه الخلائق مسخرة لقدرة بارئها، وجبروت منشئها، منقادة لإرادته طوعًا أو كرهًا، فهي مفتقرة في وجودها، وبقائها إليه، فهو الذي أنشأها ورتبها، وأكمل وجودها على النحو الذي أراده، والحكمة التي قدّرها لها في البقاء.
وأفرد الشمس وما بعدها بالذكر؛ لأنها قد عبدت من دون الله تعالى، فعبدت الشمس حِمير، والقمر كنانة، والشعرى لخم، والثريا طيءُ، والمصريون عبدوا العجل أبيس وعبدت العرَّى شجرة غطفان.
وأما قوله:{وَكَثِيرٌ} من الناس {حَقَّ} وثبت {عَلَيْهِ الْعَذَابُ} بسبب كفره وامتناعه من السجود، وهو من لا يوحد الله تعالى، فقال الكسائي والفراء: إنه مرفوع بالابتداء وخبره ما بعده، وقيل: هو معطوف على {كثير} الأول، ويكون المعنى: وكثير من الناس يسجد وكثير منهم يأبى ذلك، وقيل المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير منهم حق عليهم العذاب، هكذا حكاه ابن الأنباري.
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: ومن أهانه الله سبحانه، وأذله، فكتب عليه الشقاء لسوء استعداده {فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} يسعده ومعز يعزه، فيصير