للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سعيداً عزيزًا. وحكى الأخفش والكسائي والفرّاء أنَّ المعنى: ومن يهن الله، فما له من مكرم؛ أي: إكرام؛ لأن الأمور كلها بيده تعالى، يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء لتدسيته نفسه، واجتراحه للسيئات وارتكابه للآثام والمعاصي. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} من الأشياء التي من جملتها ما تقدم ذكره، من الشقاوة والسعادة والإكرام والإهانة؛ أي: أن الله سبحانه يفعل في خلقه ما يشاء، من إهانة من أراد إهانته، وإكرام من أراد إكرامه، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

تنبيه: هذه السجدة (١) من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارىء والمستمع أن يسجد عند تلاوتها أو سماع تلاوتها. وقرأ جناح بن حبيش (٢): {وكبير حق} بالباء الموحدة، وقرىء {وكثير حقا}؛ أي: حق عليهم العذاب حقًا. وقرىء {حُق} بضم الحاء ومن مفعول مقدم بـ (يهن). وقرأ الجمهور (٣): {من مكرم} بصيغة اسم الفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الراء على المصدر، أي: من إكرام.

قال الإمام النيسابوري - رحمه الله تعالى - في "كشف الأسرار" (٤): جعل الله الكفار أكثر من المؤمنين، ليريهم أنه مستغن عن طاعتهم، كما قال: "خلَقْتُ الخَلْق ليربحوا عليَّ لا لأربح عليهم" وقيل: ليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها، والشيء إذا قل وجوده عزَّ، ألا ترى أن المعدن، لعزته صار مظهراً للاسم العزيز. وقيل: ليرى الحبيب قدرته، بحفظه بين أعدائه الكثيرة، كما حفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو واحد، وأهل الأرض أعداء كلهم، ليتبين أن النصر من عند الله تعالى، والقليل يغلب الكثير بعونه وعنايته ومن أكرمه بالغلبة، لا يهان بالخذلان ألبتة.

فإن قيل: إن رحمته سبقت، وغلبت غضبه، فيقتضي الأمر، أن يكون أهل الرحمة أكثر من أهل الغضب، وأهل الغضب، تسع وتسعون من كل ألف، واحد


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.