أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة، شاء من ليل أو نهار". أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي. وقيل: المراد منه جميع الحرم. ومعنى التسوية أن المقيم والبادي سواء، في النزول به، ليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر، غير أنه لا يزعج أحدٌ أحدًا، إذا كان قد سبق إلى منزل. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد هما سواء في البيوت والمنازل. قال عبد الرحمن بن سابط: كان الحجاج إذا قدموا مكة، لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنزله منهم، وكانت دورهم بغير أبواب، حتى كثرت السرقة، فاتخذ رجل بابًا، فأنكر عليه عمر، وقال: أتغلق بابًا في وجه حاج بيت الله، فقال: إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه، فاتخذ الناس الأبواب، فعلى هذا القول، لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها، قالوا: إن أرض مكة لا تملك؛ لأنها لو ملكت لم يسو العاكف فيها والبادي، فلما استوى ثبت أن سبيلها سبيل المساجد، وإليه ذهب أبو حنيفة، وبه قال الثوري.
قالوا: والمراد بالمسجد الحرام، جميع الحرم. وعلى القول الأول، الأقرب إلى الصواب، أنه يجوز بيع دور مكة وإجارتها، وهو قول طاوس وعمرو بن دينار وإليه ذهب الشافعي واحتج الشافعي في ذلك بقوله تعالى:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} أضاف الديار إلى مالكيها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان، فهو آمن" فنسب الديار إليهم نسبة ملك، واشترى عمر بن الخطاب دار السجن بمكة، بأربعة آلاف درهم، فدلت هذه النصوص على جواز بيعها.
والحاصل: أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين:
الأصل الأول: ما في هذه الآية هل المراد بالمسجد الحرام المسجد نفسه، أو جميع الحرم أو مكة على الخصوص، كما ذكرناه مفصلًا.
والأصل الثاني: هل كان فتح مكة صلحًا أو عنوة، وعلى فرض أن فتحها كان عنوة، هل أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في يد أهلها على الخصوص، أو جعلها لمن نزلها على العموم. وخبر أن محذوف؛ أي: معذبون، كما يدل عليه آخر الآية.