للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) إن الذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسوله، وأنكروا ما جاءهم به من عند ربهم، ويمنعون الناس أن يدخلوا في دين الله، ويصدون عن الدخول في المسجد الحرام الذي جعله للذين آمنوا به كافة، سواء منهم المقيم فيه والطارىء عليه، النازع إليه من غربته .. نذيقهم عذابًا مؤلمًا موجعًا لهم، ويدل على هذا قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ}؛ أي: في المسجد الحرام. والباء في قوله: {بِإِلْحَادٍ} زائدة في المفعول، وفي قوله: {بِظُلْمٍ} سببية متعلقة بإلحاد؛ أي: ومن يرد في المسجد الحرام إلحادًا وميلًا عن الحق بسبب ظلم. قال الكازروني (٢): وفائدة قوله: {بِظُلْمٍ} بعد قوله: {بِإِلْحَادٍ} أن الإلحاد قد يكون بحق كونه في مقابلة الظلم، كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، اهـ. شيخنا.

وقيل (٣): المفعول محذوف، والجار والمجرور في الموضعين، حالان من فاعل يرد؛ أي: ومن يرد فيه مرادًا ما حال كونه مائلاً عن القصد والعدل ملتبسًا بظلم. وقرأت فرقة {ومن يرد} بفتح الياء من الورود، وحكاها الكسائي والفرَّاء، ومعناه: ومن أتى به بإلحاد ظالمًا {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} جواب {مَن} الشرطية؛ أي: ومن يرد فيه أن يميل إلى الظلم في المسجد الحرام، فيعصي الله ويخالف أوامره .. يذقه يوم القيامة العذاب الموجع له.

وخلاصة ذلك: أن الله سبحانه وتعالى توعد الكفار الذين يصدون عن الدين، ويمنعون الناس عن اعتناقه، ويحولون بين الناس ودخول مكة، بالعذاب المؤلم لهم يوم القيامة، كما توعد بذلك من يرتكب الذنوب والآثام في المسجد الحرام.

وقد اختلف (٤) في هذا الظلم ماذا هو؟ فقيل: هو الشرك، وقيل: هو الشرك والقتل، وقيل: صيد حيواناته وقطع أشجاره. وقيل: هو الحلف فيه بالأيمان الفاجرة، وقيل: المراد المعاصي فيه على العموم، وقيل المراد بهذه


(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.