ذكر أن المشركين كذبوا رسوله، وبالغوا في تكذيبه، وسلَّاه على ذلك، بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا، وأوذوا، فلا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون .. قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به، وشديد تكذيبهم، كانوا يستعجلونه العذاب. كما قال تعالى، حكاية عنهم:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب، وقد سبق وعد الله به، فكان لزاماً عليهم أن لا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده، ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة، لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرًا من القرى الظالمة أمهلت، ولم تعذب لعلها ترعوي عن غيها، ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير، وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم. وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب، ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبّطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام، بدوام العذاب في نار الجحيم.
قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر في الآيات السالفة، أن قومه قد كذَّبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة: إنه ساحر، وأخرى: إنه شاعر، وثالثة: إن القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا، بأنه ليس بدعًا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أنهم لعظيم استهزائهم به وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه، طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به .. أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب، وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل، ويردوا ما جاء به من الحق، ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان، وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينًا بأنه الحق من ربهم، فتخبت له قلوبهم، وأن هذه حالهم حتى يموتوا، أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذٍ يحكم الله بين عباده، فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات