للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمارات الإنكار، بالتهجُّم والعبوس والبسور، ونحو ذلك، مما يدل على الغيظ، والحقيدة الكامنة في نفوسهم، مما يسمعون منها. ثم بين مقدار ذلك الغيظ، ومبلغ أمره، فقال: {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} هذه الجملة (١) حال إما من الموصول، وإن كان مضافًا إليه، لأنَّ المضاف جزؤه، وإما من الوجوه؛ لأنها يعبر بها عن أصحابها، كقوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ} ويسطون ضمن معنى يبطشون، فتعدى تعديته، وإلا فهو متعد بعلى، يقال سطا عليه؛ أي: وإذا تتلى عليه آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا أمارات الإنكار، حالة كونهم يقاربون أن يسطوا ويبطشوا. {بـ} المؤمنين {الَّذِينَ يَتْلُونَ} ويقرؤون {عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} ويوقعوا عليهم الصرر، من فرط غيظم وشدة غضبهم؛ أي: هم من شدة خنقهم على من يتلوا عليهم آياتنا من المؤمنين يكادون يثبون عليهم ويبطشون بهم، ويبسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء. وقصارى ذلك أنهم قد بلغوا من الجهالة حدًّا لا ينفع فيه العلاج، ولا تقنع فيه البينات والحجج. والسطوة شدة البطش، يقال سطا به يسطو إذا بطش به بضرب أو شتم أو أخذ باليد. وأصل السطو القهر، كما سيأتي في مبحث الصرف.

وهكذا (٢): ترى أهل البدع المضلة والخرافات المحدثة، إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم السني عليهم، من آيات الكتاب وأحاديث الرسول "الصحيحة" مخالفًا لما اعتقدوه من الباطل والضلالة .. رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم، لفعل به ما لا يفعله بالمشركين. وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع، ما لا يحيط به الوصف. والله ناصر الحق، ومظهر الدين، وداحض الباطل، ودامغ البدع، وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم المبينين للناس، ما نزل إليهم. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ثم ذكر لهم أن هذا الغيظ الكمين في نفوسهم ليس بشيء، إذا قيس بما سيلاقونه من العذاب يوم القيامة، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ


(١) الفتوحات الإلهية.
(٢) الشوكاني.