لا مخرج لكم منه، بل وسع عليكم، وجعل لكم من كل ذنب مخلصًا، فرخص لكم في المضايق، فالصلاة وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعًا، وفي السفر تقصر إلى ركعتين ويصليها المريض جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، وأباح الفطر حين السفر وحين الإرضاع والحمل والشغل في شاق الأعمال، ولم يوجب علينا الجمعة في المساجد حين السفر، أو الخوف من عدو أو سبع أو مطر، إلى نحو أولئك كما فتح لكم باب التوبة، وشرع لكم الكفارات في حقوقه، ودفع الدية بدل القصاص إذا رضي الولي.
وعبارة الشوكاني هنا: وقد اختلف العلماء في هذا الحرج، الذي رفعه الله، فقيل: هو ما أحله الله من النساء، مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين. وقيل: المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر، والصلاة بالإيماء، على من لا يقدر على غيره، وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض، واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة. وكذا في الفطر والأضحى. وقيل: المعنى أنه سبحانه وتعالى ما جعل عليهم حرجًا بتكليف ما يشق عليهم، ولكن كلفهم بما يقدرون عليه، ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج، فلم يتعبدهم بها، كما تعبد بها بني إسرائيل. وقيل: المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجًا. بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار، والتكفير فيما شرع فيه الكفارة، والأرش أو القصاص في الجنايات، ورد المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه.
والظاهر: أن الآية أعم من هذا كله، فقد حط الله سبحانه، ما فيه مشقة، من التكاليف على عباده، إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم، أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل، لا مشقة فيه، أو مشروعية التخلص من الذنب بالوجه الذي شرعه، وما أنفع هذه الآية، وأجل موقعها وأعظم فائدتها. ومثلها قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.