للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{الْمُشْرِكِينَ}؛ أي: مشركي العرب عبدة الأوثان، كأبي جهل وأصحابه، وكان فريقٌ من اليهود يُظهرون للمؤمنين محبَّةً، ويزعمون أنَّهم يودُّون لهم الخير، فنزل تكذيبًا لهم. والودُّ (١): حُبُّ الشيء مع تمنيه، ونفي الودِّ كنايةٌ عن الكراهة؛ أي: ما يحبُّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، ومِن للتبيين؛ لأنَّ الذين كفروا جنسٌ تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون، فكأنَّه قيل: ما يودُّ الذين كفروا وهم أهل الكتاب والمشركون، فبيَّن أنَّ الذين كفروا باقٍ على عمومه، وأنَّ المراد كلا نوعيه جميعًا، والمعنى: أنَّ الكفار جميعًا لم يُحِبُّوا {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: على نبيكم؛ لأنّ المُنزَّل عليه منزَّلٌ على أُمَّته، وهو في موضع المفعول بيودُّ، وبناؤه للمفعول؛ وحذف للعلم به؛ وللتصريح به في قوله: {مِنْ رَبِّكُمْ} ولو بني للفاعل لم يظهر في قوله: {مِنْ رَبِّكُمْ}.

فائدةٌ: وقرأ أبو عمرو بالتخفيف.

{مِنْ خَيْرٍ} هو قائم مقام فاعله، و {مِنْ} مزيدةٌ لاستغراق الخير، والخير الوحي، والقرآن، والنصرة كائنٌ {مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: أن ينزَّل عليكم وحيٌ من ربّكم؛ لأنّهم يحسدونكم فيه، و {مِنْ} هنا لابتداء الغاية، كما تقول: هذا الخير من زيد، ويجوز (٢) أن تكون، للتبعيض، والمعنى: من خير كائن من خيوركم، فإذا كانت لابتداء الغاية تعلَّقت بقوله: {يُنَزَّلَ}، وإذا كانت للتبعيض تعلَّقت بمحذوف، وكان ذلك على حذف مضافٍ، كما قدَّرناه آنفًا. ذكره في "البحر".

والمعنى (٣): إنّهم يرون أنفسهم أحقَّ بأن يوحى إليهم، فيحسدونكم، ويكرهون أن يُنزَّل عليكم شيءٌ من الوحي، أمَّا اليهود فَبِناءً على أنّهم أهلُ الكتاب وأبناءُ الأنبياء النَّاشِئُون في مَهابِطِ الوحي، وأنتم أميُّون، وأمَّا المشركون فإدْلاَلًا بما كان لهم من الجاه والمال، زعمًا منهم أنَّ رياسة الرسالة كسائر الرياسات


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.