للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدنيويّة، منوطةٌ بالأسباب الظاهرة، ولذا قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وهم كانوا يتمنَّون أن تكون النُبوَّة في أحد الرجلين: نعيم بن مسعودٍ الثقفيِّ بالطَّائف، والوليد بن المغيرة بمكّة، ثُمَّ أجاب عن قول من يقول: لِمَ لَمْ يُنزَّل عليهم بقوله: {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَخْتَصُّ}؛ أي: يخصُّ {بِرَحْمَتِهِ}؛ أي: بوحيه، ونبوّته، وبالهداية {مَنْ يَشَاءُ} ويختار من عباده؛ أي: من كان أهلًا لذلك وهو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون.

يقال: خصَّه بالشيء. واختصه، إذا أفرده به دون غيره، ومفعول المشيئة محذوفٌ، تقديره: من يشاء تخصيصه بفضله، والرحمة (١) هنا عامَّةٌ بجميع أنواعها، أو النبوة، والوحي، والحكمة، والنصرة، اختصَّ بها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - قاله عليٌّ، والباقر، ومجاهدٌ، والزجَّاجُ، أو الإِسلام، قاله ابن عباس، أو القرآن، أو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وهو نبيُّ الرحمة أقوالٌ خمسةٌ أظهرها الأول.

والمعنى: يفرد (٢) سبحانه برحمته من يشاء إفراده بها، ويجعَلها مقصورة عليه؛ لاستحقاقه الذاتيِّ الفائض عليهِ بحُبِّ إرادته عزّ وجلّ، لا تتعدَّاه إلى غيره، لا يجب علِيه شيءٌ، وليس لأحدٍ عليه حقٌّ، وسبب (٣) عدم ودهم ذلك، أمَّا في اليهود، فلِكون النبوة كانت في بني إسماعيل؛ ولخوفهم على رئاستهم، وأمَّا النصارى؛ فلتكذيبهم في ادعائهم ألوهيَّة عيسى، وأنّه ابنُ الله؛ ولخوفهم على رئاستهم، وأمَّا المشركون؛ فلسبِّ آلهتهم، وتسفيه أحلامهم، ولحسدهم أن يكون رجلٌ منهم يختصُّ بالرسالة، واتباع الناس له. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}؛ أي: صاحب المَنِّ الكبير، والعطاء الكثير بالوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالإِسلام بلا غرض، ولا علَّةٍ؛ يعني (٤): أنَّ الله تعالى يخصُّ بنبوّته ورسالته من يشاء من عباده، ويتفضَّل بالإيمان والهداية على من أحبَّ من خلقه


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) العمدة.