رحمةً منه لهم، فكُلُّ خيرٍ ناله عباده في دينهم ودنياهم، فإنَّه منه ابتداءً، وتفضّلًا عليهم من غير استحقاق أحدٍ منهم لذلك، بل له الفضل والمنَّة على خلقه، وفي الآية تعريضٌ بأهل الكتاب في حسدهم للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنين.
فائدةٌ: قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربَّه من خمسة أوجهٍ:
أولها: أنّه أبغض كُلَّ نعمةٍ ظهرت على غيره.
والثاني: أنّه يتسخَّطُ قسمته تعالى، ويقول لربّه: لِمَ قسمت هكذا.
والثالث: أنَّ فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضله.
والرابع: أنّه خذل وليَّ الله تعالى؛ لأنّه يريد خذلانه، وزوال النعمة عنه.
والخامس: أنّه أعان عدوَّه؛ يعني: إبليس اللعين.
واعلم: أنَّ حسدك لا ينفذ على عدوِّك، بل على نفسك، بل لو كوشفت بحالك في يقظةٍ، أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي حجرًا إلى عدوّه ليصيب به مقلته، فلا يصيبه، بل يرجع إلى حدقته اليُمْنى فيقلعها، فيزيد غضبه ثانيًا، فيعود ويرمي أشدَّ من الأولى، فيرجع على عينه اليسرى فيعميها، فيزداد - غضبه ثالثًا، فيعود ويرميه، فيرجع الحجر على رأسه فيشُجُّه، وعدوُّه سالمٌ في كُل حال، وهو إليه راجعٌ كرَّةً بعد أُخرى، وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون، وهذا حال الحسود، وسخرية الشياطين.
وقال بكر بن عبد الله: كان رجل يأتي بعض الملوك، فيقوم بحذائه ويقول: أَحْسِنْ إلى المحسنِ بإحسانه، فإنَّ المسيء يكفيه إساءته، فحسده رجلٌ على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، وقال: إنّ هذا الرجل يَزْعُم أنَّ الملك أبْخَرُ، فقال الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك فانظر، فإنّه إذا دنا منك وضع يده على أنفه أن لا يشمّ ريح البخر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، فقام بحذاء الملك، فقال على عادته مثل ما قال، فقال له الملك: ادن منّي، فدنا منه واضعًا يده على فيه مخافة أن يشمَّ الملك منه ريح الثوم، فصدَّق الملك في نفسه قول