الساعي، قال: وكان الملك لا يكتب بخطّه إلّا لجائزة، فكتب له كتابًا بخّطه إلى عامل له، إذا أتاك الرجل فاذبحه واسلخه، واحش جلده تبنًا، وابعث به إليّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فاستوهب منه ذلك الكتاب، فأخذه منه بأنواع التضرّع والامتنان، ومضى إلى العامل، فقال له العامل: إنَّ في كتابك أن أذبحك، وأسلخك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أراجع الملك، قال: ليس لكتاب الملك مراجعةٌ، فذبحه، وسلخه، وحشا جلده تبنًا، وبعث به، ثمَّ عاد الرجل كعادته، فتعجب منه الملك، فقال: ما فعلت بالكتاب؟ قال لقيني فلانٌ فاستوهبه منّي، فوهبته، قال الملك: إنّه ذكر لي أنَّك تزعم أنِّي أبخر، فقال كلَّا، قال: فلم وضعت يدك على أنفك؟ قال: كان أطعمني طعامًا فيه ثومٌ، فكرهت أن تشمَّه منّي، قال: ارجع إلى مكانك، فقد كفى المسيءَ إساءتُه، اللهمّ! احفظنا من مساويء الأخلاق، فإنَّها بئس الوثاق، وأكرمنا بمكارم الأخلاق، فإنّها نعم الرفاق. ذكره في "روح البيان".
وخلاصة معنى الآية (١): أي إنَّ الذين عرفتم شأنهم مع أنبيائهم من أهل الكتاب حسدةٌ لكم، لا يودُّون أن ينزل عليكم خيرٌ من ربّكم، والكتاب الكريم أعظم الخيرات، فهو الهداية العظمى، به جمع الله شملكم، ووحَّد شعوبكم، وقبائلكم، وطهَّر عقولكم من زيغ الوثنية، وأقامكم على سنن الفطرة، وكذلك المشركون، إذ يرون في نزول القرآن على طريق التتابع الوقت بعد الوقت قوَّةً للإسلام، ورسوخًا لقواعده، وتثبيتًا لأركانه، وانتشارًا لهديه، وهم يودُّون أن تدور عليكم الدَّوائر، وينتهي أمركم، ويزول دينكم من صفحة الوجود. وحسد الحاسد يدلُّ على أنَّه ساخطٌ على ربّه معترضٌ عليه؛ لأنَّه أنعم على المحسود بما أنعم، والله لا يضيره سخط الساخطين ولا يحول مجاري نعمته حسد الحاسدين، فهو يختص من يشاء برحمته متى شاء، وهو ذو الفضل العظيم على من اختاره للنبوة، وهو صاحب الإحسان والمنَّة، وكُلُّ عباده غارقٌ في بحار نعمته، فلا ينبغي لأحدٍ أن يحسد أحدًا على خيرٍ أصابه، وفضلٍ أوتيه من عند ربه.