للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدهشة والحيرة عليهم، واشتغال كل امرىء بنفسه، كما جاء فى قوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)} {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}؛ أي: ولأ يسال القريب قريبه، وهو يبصره؛ لاشتغاله بأمر نفسه، كمال قال: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)}.

ولا يناقض ما (١) هنا قوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠)}؛ لأن عدم التساؤل عند ابتداء النفخة الثانية قبل المحاسبة، والتساؤل بعد ذلك، وأيضًا يوم القيامة يوم طويل، فيه خمسون موطنًا كل موطن ألف سنة، ففي موطن يشتد عليهم الهول والفزع، بحيث يشغلهم عن التساؤل والتعارف، فلا يفطنون لذلك، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون ويتعارفون.

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينصب على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي منادٍ: ألا إن هذا فلان بن فلان، فمن كان له عليه حق .. فليات إلى حقه، فيفرح العبد يومئذٍ أن يثبت له حق على والده، أو ولده، أو زوجته أو أخيه، فلا أنساب بينهم يومئذٍ.

وعن قتادة: لا شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة، عن أن يرى عن يعرفه، أن يثبت له عليه شيء، ثم تلا: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤)} الآية. قال محمَّد بن علي الترمذي - رحمه الله تعالى -: الإنساب كلها منقطعة، إلا من كانت نسبته صحيحة فى عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبدًا، وتلك النسبة المفتخر بها, لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد.

فائدة: قال الأصمعي: كنت أطوف بالكعبة فى ليلة مقمرة، فسمعت صوتًا حزينًا فتبعت الصوت، فإذا أنا بشابٍ حسن ظريف، تعلق بأستار الكعبة وهو يقول: نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت الملك الحي القيوم، وقد غلقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حرسها وحجابا، وبابك مفتوح للسائلين، فها أنا سائلك ببابك، مذنبًا فقيرًا مسكينًا أسيرًا جئت أنتظر رحمتك، يا أرحم الراحمين،


(١) روح البيان.