ثم رفع رأسه نحو السماء وهو ينادي: يا إلهي وسيدي ومولاي، إن أطعتك فلك المنة علي، وإن عصيتك فبجهلي، فلك الحجة علي، اللهم فبإظهار مننك علي، وإثبات حجتك لدي ارحمني، واغفر ذنوبي، ولا تحرمني رؤية جدي وقرة عيني، وحبيبك وصفيك ونبيك محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ثم أنشأ يقول:
فكان يكرر هذه الأبيات حتى سقط على الأرض مغشيًا عليه، فدنوت منه، فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فوضعت رأسه فى حجري، وبكيت لبكائه بكاءً شديدًا عليه، فقطر من دموعي على وجهه، فأفاق من غشيته وفتح عينيه وقال: من الذي شغلني عن ذكر مولاي؟ فقلت: أنا الأصمعي يا سيدي، ما هذا البكاء وما هذا الجزع؛ وأنت من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، أليس الله يقول:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ قال: فاستوى جالسًا وقال: يا أصمعي، هيهات! إن الله تعالى خلق الجنة لمن أطاعه، وإن كان عبدًا حبشيًا، وخلق النار لمن عصاه، وإن كان ملكًا قرشيًا. أما سمعت قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)}.