للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

برأ الله سبحانه أربعة بأربعة. برأ يوسف بلسان الشاهد، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرأ مريم بانطاق ولدها، وبرأ عائشة بتلك الآيات. وفي هذا تخويف لهم، أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين. {و} أنزلنا إليكم {مَوْعِظَةً} وتذكرةً {لِلْمُتَّقِينَ}؛ أي: للذين يتقون الشرك والكبائر، يتعظون بها وينزجرون عما لا ينبغي لهم من المحرمات والمكروهات، وسائر ما يخل بمحاسن الآداب، ومدار (١) العطف هو التغاير العنواني المنزل منزلة التغاير الذاتي، فالموعظة ما وعظ به في الآيات. من (٢) قوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} وقوله: {يعظكم أن تعودوا لمثله أبدا} وخص المتقين بالذكر مع شمول الموعظة للكل حسب شمول الإنزال؛ لأنهم المنتفعون بها، المغتنمون لآثارها، المقتبسون من أنوارها. وأما غير المتقين، فإن الله سبحانه قد ختم على قلوبهم، وجعل على بصرهم غشاوةً عن سماع المواعظ، والاعتبار بقصص الذين خلوا، وفهم ما تشتمل عليه الآيات.

والمعنى: أي ولقد أنزلنا إليكم آيات القرآن مبينات لما أنتم في حاجة إليه من الأحكام والآداب .. كما أنزلنا قصصًا من أخبار الأمم السالفة، كقصة يوسف وقصة مريم، وفيهما شبه بقصة عائشة. وفيهما عظة لمن اتقى الله وخاف عقابه، وخشي عذابه.

وأثر عن علي - كرم الله وجهه - في وصف القرآن. فيه حكم ما بينكم، وخبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله اهـ.

فإن قلت: لم قال (٣) هنا: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا} بذكر واو العطف. وقال فيما سيأتي: {لقد أنزلنا} بدون الواو، وزاد هنا {إِلَيْكُمْ} بخلاف ما سيأتي؟

قلت: لأن اتصال ما هنا بما قبله أشد. إذ قوله هنا: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) فتح الرحمن.