ورابعها: نور الحق تعالى، وهو يظهر الأشياء المعدومة المخفية في العدم للأبصار والبصائر من الملك والملكوت، وهو يراها في الوجود. كما كان يراها في العدم؛ لأنها كانت موجودة في علم الله، وإن كانت معدومة في ذاتها، فما تغير علم الله، ورؤيته بإظهارها في الوجود، بل كان التغير راجعًا إلى ذوات الأشياء وصفاتها عند الإيجاد والتكوين. {مَثَلُ نُورِهِ}؛ أي: صفة نوره الفائض منه تعالى على الأشياء المستنيرة، وهو القرآن المبين، كما في "الإرشاد". فهو تمثيل له في جلاء مدلوله، وظهور ما تضمنه من الهدى بالمشكاة المنعوتة.
والمراد بالمثل الصفة العجيبة؛ أي: صفة نوره العجيب، وإضافته إلى ضميره تعالى، دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره. كما في "البيضاوي".
{كَمِشْكَاةٍ}؛ أي: كصفة كوة، غير نافذة في الجدار في الإنارة. قال بعض أهل المعاني: معنى الآية، كمثل مصباح في مشكاة. فهو من المقلوب ذكره ابن الجوزي.
{فِيهَا}؛ أي: في تلك المشكاة {مِصْبَاحٌ}؛ أي: سراج ضخم ثاقب {الْمِصْبَاحُ}؛ أي: ذلك المصباح كائن {فِي زُجَاجَةٍ}؛ أي: في قنديل من الزجاج الصافي الأزهر. وفائدة جعل المصباح في زجاجة. والزجاجة في كوة، غير نافذة شدة الإضاءة؛ لأن المكان، كلما تضايق، كان أجمع للضوء. بخلاف الواسع، فالضوء ينتشر فيه. وخص الزجاج؛ لأنه أحكى الجواهر لما فيه.
{الزُّجَاجَةُ}؛ أي: تلك الزجاجة والقنديل {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}؛ أي: نجم متلألىء وقَّاد شبيه بالدر في صفائه وزهرته، كالمشتري والزهرة والمريخ ودرازى الكواكب عظامها المشهورة ومحل الجملة الأولى الرفع على أنها صفة لزجاجة، واللام مغنية عن الرابط كأنه قيل فيها مصباح هو في زجاجة هي كأنها كوكب دري. وفي إعادة المصباح والزجاجة معرفين عقب ذكرهما منكرين. والإخبار بما بعدهما مع انتظام الكلام، بأن يقال: كمشكاة فيها مصباح في زجاجة كأنها