{مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} وأصل السحب الجر، وسمي به السحاب إما لجر الريح أو لجره الماء.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: دخول من الجارة على غض الأبصار، دون الفروج في قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} إشعارًا بأن باب النظر موسع دون الفرج؛ لأنه ينظر من المحارم ما سوى العورة، بخلاف الفرج، فإنه لا يحل له إلا فرج حليلته.
ومنها: تقديم غض الأبصار على حفظ الفروج إيذانًا بأن النظر بريدة الزنا، ورائده الذي لا يخطىء.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ لأن المراد عما حرم الله تعالى، لا عن كل شيء، فحذف ذلك أكتفاءً بفهم المخاطبين.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}؛ لأن المراد منه مواقع الزينة، وهو من باب إطلاق اسم الحال على المحل. قال الزمخشري: وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتستر والتصون. وفي قوله:{عَلَى جُيُوبِهِنّ}؛ لأن المراد على أعناقهن، وإلا فهو في الأصل طوق القميص.
ومنها: الاحتراس في قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} فقد أقحم هذا الاعتراض ليبشع ذلك الإكراه عند المخاطب، ويحذره من الوقوع فيه، ولكي يستيقظ أنه كان ينبغي له أن يأنف من هذه الرذيلة، وإن لم يكن زاجز شرعي ووجه التبشيع عليه أن مضمون الآية النداء عليه، بأن أمته خير منه؛ لأنها آثرت التحصن عن الفاحشة، وهو يأبى إلا إكراهها.