للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما ذكر الطير، مع دخولها في جملة ما في الأرض، من قبل أنها غير مستقرة فيهما. وكثرة لبثها في الهواء، وهو ليس من السماء ولا من الأرض، ولاستقلالها ببديع الصنع، وإنبائها عن كمال قدرة خالقها , ولطف تدبير مبدعها، فإن منح تلك الأجرام الثقيلة، الوسائل التي تتمكن بها من الوقوف في الجو، وتتحرك كيف تشاء، وارشادها إلى طريق استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينًا وشمالًا حجة واضحة الدلالة، على كمال قدرة الصانع المجيد، وحكمة المبدع المعيد. وفي ذلك تقريع للكفار، وتوبيخ لهم، حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له، يعبدونها كعبادته عز وجل.

وقرأ الجمهور (١): {وَالطَّيْرُ} مرفوعًا عطفًا {مَنْ}، و {صَافَّاتٍ} نصب على الحال وقرأ الأعرج: والطيرَ، بالنصب على أنه مفعول معه، وقرأ الحسن وخارجة عن نافع: والطير صافات برفعهما مبتدأ وخبرًا، تقديره: يسبحن. قيل: وتسبيح الطير حقيقي. قاله الجمهور.

{كُلٌّ}؛ أي: كل واحد من المخلوقات {قَدْ عَلِمَ} هو {صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}؛ أي: دعاءه وتسبيحه، اللذين ألهمهما الله تعالى إياه، فالضمائر (٢) كلها عائدة على كل. قيل: والصلاة هنا بمعنى التسبيح، وكرر للتأكيد، والصلاة قد تسمى تسبيحًا. وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علمها الله ذلك وألهمها إليه، لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية.

والمعنى: إن (٣) كل مصل ومسبح يعلم ما يجب عليه من الصلاة والتسبيح اللذين كلف بهما, وليس بالبعيد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه، كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة، التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها.

انظر إلى النحل كيف تبني بيوتها السداسية الأشكال، التي لا يتمكن من


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) المراغى.