للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بنائها فطاحل المهندسين، إلا بدقيق الآلات. وإلى العنكبوت، كيف تفعل الحيل اللطيفة، لاصطياد الذباب. وإلى الندب يستلقي في ممر الثور، حتى إذا قرب منه ورام نطحه، شبَّث ذراعيه بقرنيه، ولا يزال ينهش ما بين ذراعيه حتى يثخنه ثم يفترسه. وهذا التسبيح محمول عند البعض على ما كان بلسان المقال، فإنه يجوز أن يكون لغير العقلاء أيضًا تسبيح حقيقة، لا يعمله إلا الله، ومن شاء من عباده. كما في "الكواشي". وقال بعضهم: تسبيح الحيوان والجماد محمول على ما كان بلسان الحال، فإن كل شيء يدل بوجوده وأحواله على وجود صانع واجب الوجود، متصف بصفات الكمال، مقدس عن كل ما لا يليق بشانه.

وروي عن أبي ثابت قال: كنت جالسًا عند محمد بن جعفر الباقر، فقال لي: أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس، وبعد طلوعها؛ قلت: لا. قال: فإنهن يقدسن ربهن، ويسألنه قوت يومهن. وقال بعض العلماء: إنا نشاهد أن الله تعالى ألهم الطيور وسائر الحشرات أعمالًا لطيفة يعجز عنها أكثر العقلاء. وهذا دليل على أن الله تعالى يلهمها معرفته ودعاءه وتسبيحه. وقال مجاهد: الصلاة للبشر، والتسبيح لما عداهم.

وقيل: إن الضمير (١) في {قَدْ عَلِمَ} يعود على الله سبحانه؛ أي: كل فصل منهم ومسبح، قد علم الله سبحانه صلاته وتسبيحه. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}؛ أي: بما يفعلونه من الطاعة والصلاة والتسبيح، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، طاعتها، ومعصيتها، وعلمه محيط بها، ومجازيهم عليها.

والمعنى على هذا القول أي: كل واحد من هذه المسبحة قد علم الله صلاته له، وتسبيحه إياه. والأول أرجح، لاتفاق القراء على رفع كل. ولو كان الضمير في {علم لله}، لكان نصب (كل) أولى. وذكر بعض المفسرين أنها قراءة طائفة من القراء. وقرأ الحسن (٢) وعيسى وسلام وهارون عن أبي عمرو {تفعلون} بتاء الخطاب. وفيه وعيد وتخويف لكفرة الثقلين، حيث لا تسبيح لهم


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.