للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال في "التأويلات النجمية": يعني (١) يمكن كل صنف من الخلفاء حمل أمانته التي ارتضى لهم من أنواع مراتب دينهم، فإنهم أئمة أركان الإِسلام، ودعائم الملة الناصحون لعباده، الهادون من يسترشد في الله حفاظ الدين. وهم أصناف: قوم حفاظ أخبار الرسول عليه السلام، وحفاظ القرآن، وهم بمنزلة الخزنة. وقوم هم علماء الأصول من الرادِّين على أهل العناد، أصحاب البدع بواضح الأدلة، غير مخلطين الأصول بعلوم الفلاسفة وشبههم، فإنها مهلكة عظيمة، لا يسلم منها إلا العلماء الراسخون، والأولياء القائمون بالحق، وهم بطارقة الإِسلام وشجعانه. وقوم هم الفقهاء، الذين إليهم الرجوع في علوم الشريعة من العبادات وكيفية المعاملات، وهم في الدين بمنزلة الوكلاء، والمتصرفين في الملك.

وذكر سبحانه وتعالى الاستخلاف لهم أولًا، وهو جعلهم ملوكًا، وذكر التمكين ثانيًا، فأفاد ذلك أن هذا الملك ليس على وجه العروض والطروِّ، بل على وجه الاستقرار والثبات، بحيث يكون الملك لهم ولعقبهم من بعدم.

وجملة {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} معطوفة على التي قبلها؛ أي: وليجعلن لهم مكان ما كانوا فيه من الخوف من الأعداء أمنا، ويذهب عنهم أسباب الخوف الذي كانوا فيه، بحيث لا يخشون إلا الله سبحانه، ولا يرجون غيره، وقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها بقليل في خوف شديد من المشركين، لا يخرجون إلا في السلاح، ولا يمسمون ويصبحون إلا على ترقب لنزول المضرة بهم من الكفار، ثم كانوا في غاية الأمن والدعة، وأذل الله لهم شياطين المشركين وفتح عليهم البلاد، ومهد لهم في الأرض، ومكنهم منها، فلله الحمد.

وقال أبو العالية (٢): لما أظهر الله عَزَّ وَجَلَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - على جزيرة


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.