للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العرب .. وضعوا السلاح، وآمنوا، ثم قبض الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة، فأدخل الله عليهم الخوف، فغيروا، فغير الله ما بهم.

وقرأ الجمهور (١): {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ} بالتشديد من بدل المضعف، واختارها أبو عبيد. وقرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب وأبو بكر والحسن بالتخفيف من أبدل. واختارها أبو حاتم، وهما لغتان. وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى. فقراءة التشديد أرجح من قراءة التخفيف. قال النحاس: وزعم أحمد بن يحيى ثعلب أن بين التخفيف والتشديد فرقًا، وأنه يقال: بدلته؛ أي: غيرته، وأبدلته أزلته، وجعلت غيره. قال النحاس: وهذا القول صحيح.

والمعنى: أي (٢) وعد الله المؤمنين منكم المصلحين لأعمالهم ليورثنهم أرض المشركين من العرب والعجم، وليجعلنهم ملوكها وساستها كما استخلف بني إسرائيل بالشام حين أهلك الجبابرة، وجعلهم ملوكها وسكانها. وقد وفي سبحانه بوعده، فإنه لم يمت عليه الصلاة والسلام حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب، وأخذ الجزية من مجوسي هجر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، والمقوقس في مصر، والنجاشى ملك الحبشة.

ولما قُبض - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى .. قام بالأمر بعده الخلفاء الراشدون، فنهجوا منهجه، وملكوا خزائنهم، واستعبدوا أبناء القياصرة، وصدق قول رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ أمتي ما زوي لي منها".

{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}؛ أي: وليجعلن دين الإِسلام راسخًا قويًا مقررًا، ثابت القدم، ويعظم أهله في نفوس أعدائه، الذين يواصلون الليل بالنهار، في التدبير لإطفاء أنواره، لتعفوا آثاره. {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}؛


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.