للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: وليغيرن حالهم من الخوف إلى الأمن. قال الربيع بن أنس: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده، وإلى عبادته وحده لا شريك له، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة، فقدموها، فأمرهم الله سبحانه بالقتال، فكانوا بها خائفين، يمسون في السلاح، ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله تعالى، ثم إن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله، أبد الدهر نحن خائفون هكذا، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه، ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن تصبروا إلا يسيرًا، حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم، محتبيًا ليس فيه حديدة" فأنزل الله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} إلى آخر الآية. ونحو الآية قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)}.

وجملة {يَعْبُدُونَنِي} في محل النصب حال من {الَّذِينَ آمَنُوا} لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد؛ أي: وعد الله الذين آمنوا بالاستخلاف والتمكين، حالة كونهم مستمرين على عبادتي وتوحيدي. ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة للثناء عليهم.

وجملة {لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} حال من الواو في {يَعْبُدُونَنِي}؛ أي: يعبدونني (١) حالة كونهم غير مشركين بي في العبادة شيئًا من الأشياء.

وقيل معناه: لا يراؤون بعبادتي أحدًا، وقيل معناه: لا يخافون غيري، وقيل معناه: لا يحبون غيري.

{وَمَنْ كَفَرَ} وارتد {بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: بعد ذلك الوعد الصحيح، أو من استمر على الكفر، ولم يتأثر بما مر من الترغيب والترهيب، فإن الإصرار (٢) عليه بعد مشاهدة دلائل التوحيد كفر مستأنف، زائد على الأصل، أو من كفر هذه النعمة العظيمة بعد ذلك الوعد الصحيح. {فَأُولَئِك} الكافرون لهذه النعم {هُمُ}


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.