للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنده شيء، ذهب بهم إلى بيت أبيه أو بيت أمه، أو بعض من سمى الله تعالى. فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك، ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: كان المسلمون إذا غزوا دفعوا مفاتيح بيوتهم إلى الزمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك، ويقولون: لا ندخلها وأصحابها غيب. فأنزل الله تعالى هذه الآية رخصة لهم.

وقيل: نزلت رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد، فعلى هذا التأويل، تم الكلام عند قوله: {وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}

وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} كلام مستأنف.

والحاصل (١): أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، إن كان باعتبار مؤاكلة الأصحاء، أو دخول بيوتهم .. فيكون {وَلَا عَلَى} متصلًا بما قبله، وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف، التي يشترط فيها وجود البصر،

وعدم العرج وعدم المرض .. فقوله: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ابتداء كلام، غير متصل بما قبله.

قيل: لما نزلت: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} قالوا لا يحل لأحد منا، أن يأكل عند أحد، فأنزل الله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوت أولادكم وعيالكم وأزواجكم بغير إذن بالعدل، فالكلام على حذف (٢) مضاف وإلا فانتفاء الحرج عن أكل الإنسان من بيت نفسه معلوم، فلا حاجة إلى بيانه؛ لأن بيت ولده أو زوجته كبيته، فنسبه إليه لما جاء في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه، وإن ولده من كسبه" فلذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد، وذكر بيوت الآباء وبيوت الأمهات، ومن بعدهم. وقيل (٣): إنما ذكره مع كونه معلومًا، ليعطف عليه ما بعده في اللفظ، وليساويه في الحكم.


(١) الشوكاني.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) المراغي.